Labels

Show more

مباراة تونس و غينيا الاستوائية

 

البث المباشر في أسفل الصفحة

تقديم المنتخب التونسي :

المنتخب التونسي لكرة القدم، الملقب بـ "نسور قرطاج"، يُعتبر من أبرز المنتخبات العربية والإفريقية التي تركت بصمتها في تاريخ اللعبة، سواء على مستوى القارة السمراء أو في المحافل العالمية. منذ تأسيس الجامعة التونسية لكرة القدم سنة 1957، برز هذا المنتخب كرمز وطني يجمع التونسيين حول شغفهم بالساحرة المستديرة، حيث أصبح المنتخب مرآة للهوية الكروية في البلاد ومصدراً للفخر والإلهام للأجيال المتعاقبة.

بدأت مسيرة المنتخب التونسي في فترة ما بعد الاستقلال، حيث شارك لأول مرة في التصفيات المؤهلة لكأس العالم 1962، ومنذ تلك اللحظة بدأ الحلم يكبر شيئاً فشيئاً. ورغم التحديات التي واجهته في البدايات، إلا أن عزيمة اللاعبين وإصرارهم جعلا المنتخب يقف بثبات على الساحة الإفريقية. وقد جاءت أولى النجاحات البارزة سنة 1965، عندما وصل إلى نهائي كأس الأمم الإفريقية التي احتضنتها تونس، لكنه خسر أمام غانا بعد مباراة مثيرة.

وفي السبعينات، عرفت الكرة التونسية قفزة نوعية مع جيل ذهبي ضم لاعبين كباراً مثل طارق ذياب، المختار ذويب، وعلي الكعبي. وقد تُوج هذا الجيل بإنجاز تاريخي سنة 1978، حيث أصبح المنتخب التونسي أول منتخب عربي وإفريقي يحقق الفوز في كأس العالم، عندما هزم المكسيك بنتيجة 3-1 في مونديال الأرجنتين. ذلك الانتصار لم يكن عادياً، بل كان بمثابة إعلان عن ميلاد قوة كروية جديدة في شمال إفريقيا، وقد حظي المنتخب حينها بإشادة عالمية لأسلوب لعبه القوي والمنظم.

ورغم مرور سنوات من الصعود والهبوط بعد تلك البطولة، ظل المنتخب التونسي حاضراً على الساحة القارية. وفي التسعينات، عاد المنتخب بقوة من خلال التأهل إلى كأس إفريقيا للأمم بانتظام، ثم شارك في مونديال فرنسا 1998، ليبدأ بعدها سلسلة من التواجد المتواصل في كأس العالم (2002، 2006، 2018، 2022)، وهو ما جعله من أكثر المنتخبات العربية حضوراً في هذه البطولة العالمية.

اللحظة الأهم في تاريخ المنتخب التونسي جاءت سنة 2004، حين تمكن من الفوز بكأس الأمم الإفريقية لأول مرة في تاريخه على أرضه وأمام جماهيره. تحت قيادة المدرب الفرنسي روجي لومير، وبتألق لاعبين مثل زياد الجزيري، كريم حقي، جوهر المناري، وزياد الشاذلي، نجح "نسور قرطاج" في كتابة صفحة ذهبية ستبقى خالدة في ذاكرة الشعب التونسي. وكان الفوز في النهائي ضد المغرب بهدفين لهدف لحظة انفجار للفرحة الوطنية، حيث خرج الملايين للاحتفال في الشوارع.

منذ ذلك التتويج، واصل المنتخب التونسي حضوره الدائم في كأس الأمم الإفريقية، حيث يُعرف بأنه منتخب "الاستمرارية"، إذ نادراً ما يغيب عن البطولة. وقد تأهل تقريباً لكل النسخ منذ التسعينات، وهو رقم يعكس قوة كرة القدم التونسية على المستوى القاري. ومع ذلك، ورغم وصوله لعدة أدوار متقدمة (ربع النهائي ونصف النهائي)، لم يتمكن المنتخب من تكرار إنجاز 2004، مما جعله يعيش في بحث دائم عن اللقب القاري الثاني.

يتميّز المنتخب التونسي أيضاً بتصدير العديد من نجومه إلى أوروبا، خاصة إلى الدوريات الفرنسية، البلجيكية، والإيطالية، حيث برز لاعبون كبار مثل حاتم الطرابلسي، كريم حقي، عادل الشاذلي، يوسف المساكني، علي معلول، وعيسى العيدوني. هذا الانفتاح على الاحتراف الخارجي ساهم في رفع المستوى الفني للاعبين ومنح المنتخب أبعاداً تكتيكية جديدة.

في مونديال روسيا 2018، تمكن المنتخب من تحقيق فوز على بنما، لكن أبرز لحظة كانت مباراة إنجلترا المثيرة التي خسرها في اللحظات الأخيرة. أما في مونديال قطر 2022، فقد كتب المنتخب صفحة مشرفة بفوزه التاريخي على بطل العالم فرنسا بهدف وهبي الخزري، رغم خروجه المبكر من دور المجموعات. هذا الفوز ظل رمزاً لشجاعة وعزيمة المنتخب التونسي أمام الكبار.

من الناحية الجماهيرية، يحظى المنتخب بدعم واسع من الجماهير التونسية التي تُعرف بشغفها وحبها الكبير لكرة القدم. وتُعتبر "الألتراس" في الأندية التونسية من الأكثر حماساً وإبداعاً في إفريقيا، حيث تنقل طاقتها دائماً لدعم المنتخب الوطني في البطولات.

المنتخب التونسي اليوم يعيش مرحلة إعادة بناء مع جيل جديد من اللاعبين الذين يمزجون بين الخبرة والمحترفين الشبان. وبقيادة المدرب الحالي، يسعى "نسور قرطاج" إلى استعادة بريقهم القاري وتحقيق حلم الجماهير بإضافة لقب ثانٍ لكأس إفريقيا، وأيضاً تحقيق تأهل جديد لكأس العالم 2026 بأمريكا الشمالية، الذي يُعتبر فرصة تاريخية للذهاب بعيداً نظراً لزيادة عدد المنتخبات المشاركة.

باختصار، المنتخب التونسي لكرة القدم ليس مجرد فريق رياضي، بل هو قصة أمة تعكس نضالها، إصرارها، وحبها للرياضة. من مونديال 1978 إلى تتويج 2004، ومن فوز فرنسا 2022 إلى آمال المستقبل، يبقى "نسور قرطاج" رمزاً للهوية الوطنية ومرآة لطموحات الشعب التونسي الذي لا يتوقف عن الحلم.

تقديم منتخب غينيا الاستوائية :

منتخب غينيا الاستوائية لكرة القدم، الملقب بـ "الرعد الوطني" (Nzalang Nacional بالإسبانية والفانغية)، يُعتبر من المنتخبات الإفريقية الصاعدة التي فرضت نفسها تدريجياً على الساحة القارية خلال العقدين الأخيرين. ورغم أن البلد صغير من حيث المساحة وعدد السكان (حوالي مليون ونصف نسمة فقط)، إلا أن المنتخب نجح في خطف الأضواء بفضل إنجازاته المفاجئة وروحه القتالية العالية في البطولات الإفريقية، ليصبح رمزاً للهوية الوطنية ومصدراً للفخر لدى الغينيين الاستوائيين.

تأسس الاتحاد الغيني الاستوائي لكرة القدم سنة 1960، أي قبل استقلال البلاد بقليل، لكن المنتخب لم يكن له حضور يُذكر في العقود الأولى، حيث كان يفتقد للتجهيزات والبنية التحتية والخبرة. لسنوات طويلة ظل المنتخب بعيداً عن دائرة المنافسة الإفريقية، وظل يُعتبر من أضعف المنتخبات في القارة. وقد كانت مشاركاته الأولى في تصفيات كأس الأمم الإفريقية وكأس العالم متواضعة، وغالباً ما كان يخرج بنتائج ثقيلة أمام عمالقة إفريقيا.

ومع مطلع الألفية الجديدة، بدأت ملامح الطموح تظهر، حيث عملت السلطات على تطوير البنية التحتية الرياضية وبناء ملاعب جديدة، خصوصاً بعد اختيار البلاد لتنظيم كأس الأمم الإفريقية 2012 بالاشتراك مع الغابون. وقد شكلت هذه الاستضافة منعطفاً تاريخياً في مسيرة المنتخب، إذ مُنح شرف المشاركة لأول مرة في العرس القاري.

خلال بطولة كأس إفريقيا 2012، فاجأ منتخب غينيا الاستوائية الجميع بأدائه القوي وحماسه الكبير. في المباراة الافتتاحية، حقق فوزاً مثيراً على ليبيا بهدف دون رد، ثم واصل تألقه بفوز ثانٍ على السنغال بنتيجة 2-1، ليضمن تأهله إلى ربع النهائي في أول ظهور له. وقد خرج أمام كوت ديفوار بصعوبة، لكنه كسب احترام الجميع بفضل قتاليته وروحه الجماعية.

بعد ذلك بعامين، استضافت غينيا الاستوائية كأس الأمم الإفريقية 2015 بعد اعتذار المغرب عن التنظيم، وكان المنتخب مرة أخرى أمام تحدٍ كبير. وعلى الرغم من الشكوك المحيطة بالجاهزية، إلا أن "الرعد الوطني" قدم بطولة استثنائية وبلغ نصف النهائي، بعد إقصاء تونس في مباراة مثيرة للجدل تحكيمياً، ثم خسر أمام غانا. لكن هذه النسخة رسخت صورة المنتخب كحصان أسود قادر على الإطاحة بالكبار.

رغم التراجع النسبي في السنوات التالية، ظل المنتخب يشارك بانتظام في التصفيات ويُظهر تطوراً ملحوظاً. وجاءت المفاجأة الكبرى في كأس الأمم الإفريقية 2021 بالكاميرون (المؤجلة إلى 2022 بسبب الجائحة)، حيث أبدع الفريق مرة أخرى وتأهل إلى ربع النهائي بعد إقصاء المنتخب المالي بركلات الترجيح. الأداء البطولي للاعبين أكد أن غينيا الاستوائية لم تعد مجرد منتخب مضيف أو مشارك عابر، بل أصبح رقماً صعباً في كرة القدم الإفريقية.

يتميز المنتخب الغيني الاستوائي بمزيج من اللاعبين المحليين والمحترفين في أوروبا، خاصة في إسبانيا بسبب الروابط التاريخية بين البلدين. العديد من لاعبيه ينشطون في أندية الدرجة الثانية والثالثة الإسبانية، لكنهم عند ارتداء قميص المنتخب يقدمون أداءً يفوق التوقعات. ومن أبرز الأسماء التي صنعت أمجاد الفريق: خافيير بالبويا، إميليو نسو، باسيليو ندو، أوباما بوندي، خوما إسبينوزا، وأوباما نغويما.

ما يميز المنتخب أيضاً هو اعتماده على الروح القتالية والانضباط الدفاعي، حيث غالباً ما يواجه خصوماً أقوى منه فنياً لكنه يعوض ذلك بالالتزام التكتيكي واللياقة البدنية العالية. مدربوه المتعاقبون، سواء المحليون أو الأجانب، ركزوا على التنظيم الدفاعي والاعتماد على الهجمات المرتدة السريعة، وهو ما أثمر عن نتائج مفاجئة ضد منتخبات عريقة مثل الجزائر، تونس، والسنغال.

الجماهير في غينيا الاستوائية تُعتبر جزءاً أساسياً من نجاح المنتخب، إذ تحضر بكثافة في المباريات خاصة عندما تُقام على أرض الوطن في ملاعب مثل ملعب مالابو وملعب باتا. هذه الجماهير تُضفي أجواءً حماسية تُشعل حماس اللاعبين وتمنحهم طاقة إضافية لمواجهة الخصوم الأقوياء.

من الناحية السياسية والاجتماعية، أصبح المنتخب أداة لتعزيز الوحدة الوطنية في بلد يتميز بتنوع عرقي ولغوي. كرة القدم في غينيا الاستوائية ليست مجرد رياضة، بل وسيلة لإبراز الهوية الإفريقية والانفتاح على العالم. وعندما يحقق المنتخب انتصارات مهمة، تتحول الشوارع في مالابو وباتا إلى ساحات احتفال كبيرة تعكس تعلق الشعب بفريقه.

اليوم، يسعى المنتخب الغيني الاستوائي إلى تحقيق حلم التأهل لأول مرة إلى كأس العالم، وهو الهدف الأكبر للاتحاد المحلي. ورغم صعوبة المهمة في ظل المنافسة الإفريقية الشرسة، إلا أن الطموح موجود والدروس المستخلصة من المشاركات السابقة تمنح اللاعبين الثقة في إمكانية كتابة تاريخ جديد.

باختصار، منتخب غينيا الاستوائية لكرة القدم يُجسد قصة نهوض بلد صغير لم يكن أحد يعيره اهتماماً كروياً، فأصبح فجأة أحد أبرز المفاجآت في القارة الإفريقية. من المشاركة المشرفة في 2012، إلى الإنجاز التاريخي في 2015، ثم العروض القوية في 2021، أثبت "الرعد الوطني" أن كرة القدم لا تعترف بالحجم أو التاريخ فقط، بل بالإرادة والطموح والإصرار على كسب الاحترام.





0Comments