نادي شبيبة العمران الرياضي يُعدّ واحدًا من الأندية التونسية التي تحمل خصوصية تاريخية واجتماعية مميّزة، إذ نشأ في أحد أعرق الأحياء العاصمية وهو حيّ العمران بالعاصمة تونس، ذلك الحي الشعبي الذي ارتبط دومًا بالروح الرياضية وحبّ كرة القدم. تأسس النادي في إطار حركة اجتماعية شبابية هدفت إلى منح أبناء الحي فضاءً يعبّرون فيه عن قدراتهم الرياضية ويجدون من خلاله بديلاً للشارع والفراغ، فكان لشبيبة العمران دور مهم في جمع الشباب حول كرة القدم وترسيخ قيم الانتماء والروح الجماعية. وقد ظلّ النادي منذ نشأته مدرسة حقيقية في تكوين اللاعبين، حيث برزت فيه مواهب عديدة حملت ألوانه قبل أن تواصل المسيرة في أندية تونسية كبرى، أو حتى في دوريات عربية وأوروبية.
عرف النادي بمسيرته المتذبذبة بين الأقسام المختلفة للبطولة الوطنية التونسية، حيث عاش فترات تألق مكّنته من التواجد في مستويات محترمة، وفترات أخرى صعبة جعلته يتراجع إلى أقسام الهواة، لكنه ظلّ حاضرًا في المشهد الكروي عبر جمهوره الوفيّ الذي ظلّ يسانده رغم قلة الإمكانيات. وما يميّز شبيبة العمران أنه نادٍ يرتكز على طابعه الشعبي أكثر من نتائجه، فهو يمثل هوية الحي وثقافته، ويعكس صورة الانتماء العميق لسكان العمران الذين يرون فيه رمزًا للتحدي والصمود أمام الصعوبات. ويُحسب للنادي أيضًا أنه ساهم في إثراء كرة القدم التونسية بعدد من الكوادر الفنية والإدارية، سواء لاعبين أو مدربين أو مسيّرين نشؤوا فيه قبل أن ينطلقوا نحو تجارب أكبر.
وعلى الرغم من أن شبيبة العمران لم يحقق ألقابًا كبرى في تاريخ الكرة التونسية، إلا أنّ حضوره يُعتبر ضروريًا لفهم المشهد الكروي والاجتماعي، لأن قيمة النادي لا تقاس فقط بالبطولات، بل بما يقدّمه من دور تكويني وتربوي، وما يخلّفه من أثر في محيطه المباشر. الملعب الصغير، الأجواء الحماسية، الأهازيج الشعبية، كلها عناصر جعلت من مباريات شبيبة العمران حدثًا مميّزًا في الحي، حيث يلتفّ الأهالي حول الفريق في صورة تجسّد معنى التضامن والهوية المشتركة. ويظلّ حلم أنصار النادي دائمًا هو رؤية فريقهم يرتقي مجددًا إلى الأقسام العليا، ومنافسة كبار الأندية، حتى يستعيد بريقًا طال انتظاره، لكن في كل الأحوال، يبقى شبيبة العمران أكثر من مجرد نادٍ رياضي، بل هو ذاكرة حيّ ومرآة مجتمع كامل.
النادي الإفريقي الرياضي هو واحد من أعرق وأكبر الأندية في تونس وإفريقيا والعالم العربي، وهو نادٍ متعدد الاختصاصات، لكنه اشتهر أساسًا بكرة القدم التي جعلت منه أيقونة كروية في البلاد، واسمًا محفورًا في ذاكرة الجماهير. تأسس النادي الإفريقي في 4 أكتوبر 1920، وكان أول نادٍ تونسي يُرفع فيه العلم الأحمر والأبيض، ليكون رمزًا من رموز الهوية الوطنية زمن الاستعمار الفرنسي، وقد ارتبط دائمًا بالقضية الوطنية والنضال الشعبي، فأصبح الانتماء إلى ألوانه ليس مجرد تشجيع لفريق رياضي، بل تعبيرًا عن موقف وانتماء وجداني للشعب التونسي.
منذ نشأته، سعى النادي الإفريقي إلى أن يكون مدرسة رياضية وثقافية، فجمع بين النشاط الرياضي والعمل الاجتماعي، وأصبح مقره في قلب العاصمة تونس ملتقى للشباب. النادي ارتدى منذ البداية ألوانه الشهيرة: الأحمر والأبيض المخططان أفقيا، وهما اللونان اللذان أصبحا جزءًا من هوية الفريق، حتى أن الجماهير كثيرًا ما تُلقب فريقها بـ"الأحمر والأبيض". كما يحمل النادي لقبًا شهيرًا هو "نادي الشعب"، لأن قاعدته الجماهيرية تمتد في كل أنحاء تونس، دون أن تقتصر على العاصمة، فالجماهير الإفريقية موجودة في الشمال والجنوب والساحل والوسط، وهو ما جعله أكثر من مجرد نادٍ رياضي، بل حالة اجتماعية شاملة.
حقق النادي الإفريقي إنجازات كبيرة على الصعيد المحلي، حيث فاز بالدوري التونسي عدة مرات منذ أول تتويج له في موسم 1946–1947، كما توج بكأس تونس مرات عديدة ليكون أحد أكثر الأندية تتويجًا على الصعيد المحلي. وعلى الصعيد القاري، كتب النادي الإفريقي اسمه بأحرف من ذهب عندما أصبح في سنة 1991 أول نادٍ تونسي يحرز لقب دوري أبطال إفريقيا، بعد فوزه في النهائي على نادي فيتا كلوب الكونغولي، وهو إنجاز تاريخي ما زال خالدًا في ذاكرة كل الإفريقيين. كما فاز الإفريقي بكأس السوبر الإفريقي سنة 1995، ووصل إلى نهائي كأس الكؤوس الإفريقية وكأس الكونفدرالية في أكثر من مناسبة، ليؤكد مكانته كأحد كبار القارة السمراء.
الجماهير الإفريقية تُعتبر قلب النادي النابض، وهي من أكثر الجماهير شغفًا في تونس وإفريقيا، إذ تملأ مدرجات ملعب رادس أو المنزه في كل المباريات، وتهتف بأهازيجها الشهيرة التي أصبحت تراثًا شعبيًا يتناقله الصغار والكبار. ومن أبرز ما يميز هذه الجماهير هو إخلاصها الكبير، فهي تقف مع الفريق في الانتصارات والهزائم، وتعتبر الانتماء للإفريقي عقيدة لا تتغير، وقد عُرفت أيضًا بإبداعاتها في صناعة "الدخلة" واللوحات الفنية العملاقة في المباريات الكبرى، ما جعلها محط إعجاب داخل تونس وخارجها.
مر النادي الإفريقي عبر فترات زاهية وأخرى صعبة، فبعد التتويج الإفريقي سنة 1991، عاش الفريق سنوات من التراجع الإداري والمالي أثرت على نتائجه، لكنه لم يفقد أبدًا بريقه ولا جماهيريته. ورغم الأزمات، بقي الإفريقي حاضرًا في المشهد الكروي التونسي، ينافس أعتى الفرق مثل الترجي الرياضي التونسي في "دربي العاصمة" الذي يُعد من أقوى وأشهر الدربيات في إفريقيا والعالم العربي، حيث يجذب أنظار ملايين المتابعين ويشكل حدثًا رياضيًا واجتماعيًا بارزًا. كما لا ننسى الكلاسيكو ضد النادي الصفاقسي أو النجم الساحلي، وهي مباريات تضيف إثارة وتاريخًا لمنافسات الفريق.
إلى جانب كرة القدم، للنادي الإفريقي فروع أخرى مثل كرة اليد وكرة السلة والكرة الطائرة، وقد حقق في هذه الاختصاصات إنجازات محلية وقارية جعلته ناديًا شاملاً، من أبرزها تتويجات فريق كرة اليد التي جعلته أحد عمالقة اللعبة في تونس وإفريقيا. وقد ساهم النادي الإفريقي في تكوين أجيال من الرياضيين الذين رفعوا راية تونس عاليًا في المحافل الدولية.
إداريًا، مرّ النادي الإفريقي بعدة هيئات تسييرية ورؤساء تركوا بصماتهم، بعضهم قاد الفريق إلى المجد والألقاب، وبعضهم عاش معه الأزمات والديون. ومع ذلك، فإن التحدي الأكبر الذي يواجه النادي اليوم هو كيفية الخروج من أزماته المالية والإدارية وإعادة ترتيب البيت الداخلي، حتى يتمكن من العودة إلى منصات التتويج التي تعوّد عليها جمهوره العريض.
يبقى النادي الإفريقي مؤسسة رياضية وثقافية واجتماعية، يحمل في طياته تاريخًا عريقًا من النضال والبطولات، ويُعتبر رمزًا من رموز الرياضة التونسية. وهو أكثر من مجرد فريق كرة قدم، بل هو كيان له روح وهوية وذاكرة، يعيش في وجدان كل من عشقه. فأغاني الجماهير، الانتصارات التاريخية، الانكسارات المؤلمة، وحتى الأزمات، كلها مكونات صنعت من الإفريقي أسطورة حقيقية. ورغم مرور أكثر من قرن على تأسيسه، فإن النادي الإفريقي ما يزال صامدًا، وما يزال "نادي الشعب" الذي يحلم أن يعود إلى القمة، ليبقى دومًا فخرًا لجماهيره ومحبيه، ورمزًا خالدًا في ذاكرة الرياضة التونسية.
0Comments