Labels

Show more

مباراة شبيبة القيروان و النادي الإفريقي

 

البث المباشر في أسفل الصفحة

تقديم النادي الإفريقي :

يُعدّ النادي الإفريقي أحد أعرق وأقدم الأندية الرياضية في تونس والعالم العربي، وهو اسم محفور بعمق في الذاكرة الكروية التونسية منذ تأسيسه في الرابع من أكتوبر سنة 1920 بالعاصمة تونس. لم يكن النادي الإفريقي مجرّد جمعية رياضية فحسب، بل كان رمزًا للنضال والهوية الوطنية خلال فترة الاستعمار الفرنسي، إذ حمل اللونين الأحمر والأبيض كرمز للوطن والكرامة والحرية، وأصبح صوتًا يعبر عن فخر الشعب التونسي وهويته.

منذ تأسيسه، اختار النادي الإفريقي أن يكون أكثر من مجرد فريق كرة قدم، فكان مدرسة في الروح الرياضية والانتماء. وكان مقرّه الأول في المدينة العتيقة بالعاصمة، حيث كانت الاجتماعات تُعقد في ظروف صعبة بسبب القيود الاستعمارية، لكن إرادة الشباب التونسي كانت أقوى من كل التحديات. ومع مرور السنوات، تحول الإفريقي إلى مؤسسة رياضية وثقافية ضخمة تضمّ عدة فروع مثل كرة القدم، كرة اليد، كرة السلة، والسباحة وغيرها.

بدأت مسيرة الفريق الكروية قبل الاستقلال في بطولات محلية صغيرة، لكن بعد الاستقلال سنة 1956، انطلق النادي في كتابة تاريخه الذهبي في البطولة الوطنية. وقد فاز الإفريقي بأول بطولة له سنة 1947 في فترة ما قبل الاستقلال، لتتوالى بعدها الألقاب المحلية والإنجازات التي جعلته أحد أعمدة كرة القدم التونسية.

يمتلك النادي الإفريقي في رصيده أكثر من 13 لقبًا في البطولة التونسية، و13 كأس تونس، إضافة إلى كأس السوبر التونسي وعدة تتويجات قارية. ويبقى الحدث الأبرز في تاريخه الإفريقي هو تتويجه بلقب دوري أبطال إفريقيا سنة 1991، ليكون أول نادٍ تونسي يرفع هذا اللقب القاري، بعد أن قدم عروضًا أسطورية بقيادة جيل ذهبي من اللاعبين الذين خلدوا أسماءهم في ذاكرة الجماهير، مثل شوشان، العيادي الحمروني، نزار خنفير، فوزي رويس، وسالم لعبيدي.

عرف النادي الإفريقي كذلك فترات ازدهار كبيرة في التسعينيات، حيث سيطر على الكرة المحلية وكان أحد أبرز المنافسين الدائمين على الألقاب، كما كان ممثلًا بارزًا لتونس في المحافل الإفريقية والعربية. وشارك في كأس العالم للأندية المصغّرة (البطولة العربية للأندية)، محققًا نتائج مميزة زادت من شعبيته في المنطقة العربية.

جماهير النادي الإفريقي تُعدّ من بين الأكثر شغفًا في القارة الإفريقية، فمدرجات ملعب رادس حين يلعب الإفريقي تتحول إلى لوحة فنية من الأعلام والدخان الأحمر والأهازيج التي لا تهدأ. وقد اشتهر جمهور الإفريقي بقدرته على صنع “الريمونتادات” التاريخية، وبوفائه رغم الصعوبات. فهو جمهور لا يعرف الاستسلام، ويعتبر الفريق جزءًا من كيانه وهويته. وقد رفع شعارات خالدة مثل “إفريقي وين ما تمشي نجي وراك”، و“ديما واقفين معاك”.

مرّ النادي الإفريقي في تاريخه بفترات صعبة ماليًا وإداريًا، خاصة خلال العقد الأخير، حيث تراكمت الديون وتعددت العقوبات من الاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا)، مما أثر على نتائجه في البطولة. ومع ذلك، ظلت الروح الإفريقية متقدة في نفوس الأحباء، الذين نظموا حملات تمويل جماعية تحت شعار “من الشعب إلى النادي”، لجمع الأموال وسداد الخطايا، في مشهد تضامني نادر أدهش الرأي العام التونسي والعربي.

ولم يكن الإفريقي فقط نادياً لكرة القدم، بل مؤسسة رياضية شاملة تخرج منها أبطال في مختلف الرياضات. ففرع كرة اليد مثلًا هو من الأقوى في تونس، وحقق بطولات عديدة محلية وإفريقية. أما فرع كرة السلة، فقد عرف أجيالًا صنعت المجد الإفريقي داخل الصالات، مما جعل النادي منارة حقيقية للرياضة في تونس.

تاريخ النادي الإفريقي حافل أيضًا بالمواهب التي حملت راية الفريق والمنتخب الوطني، من بينهم الكعبي، طارق ثابت، خالد المولهي، صابر خليفة، يوسف المساكني في بداياته، وغيرهم من النجوم الذين تركوا بصمتهم في القميص الأحمر والأبيض. كما تميز النادي بمدارسه التكوينية التي أنجبت أجيالاً من اللاعبين الموهوبين، وساهمت في تطوير كرة القدم التونسية.

أما على المستوى الإداري، فقد مرّ النادي بقيادات بارزة مثل عبد السلام يعيش، حمادي بوصبيع، سليم الرياحي، يوسف العلمي وغيرهم، ممن حاولوا إعادة الفريق إلى الواجهة رغم الظروف الصعبة. وكان الطموح الدائم هو الحفاظ على هوية النادي وتاريخه ومكانته بين الكبار.

في الثقافة الشعبية التونسية، أصبح النادي الإفريقي رمزًا لا ينفصل عن العاصمة تونس وعن وجدان الشعب. فهو ليس مجرد فريق، بل قصة عشق تمتد لأجيال، تجمع بين الجدّ والحفيد، بين الفرح والحزن، بين الانتصار والانكسار. وعبر كل هذه العقود، ظل الإفريقي مدرسة في الصبر والانتماء والتحدي.

اليوم، ورغم كل الصعوبات، يسير النادي الإفريقي بخطى ثابتة نحو استعادة مجده. فجيل جديد من اللاعبين والمسيرين والأحباء يعملون بإصرار لإعادة الفريق إلى القمة التي اعتادها. ويبقى الشعار الذي يردده كل محبّ “ديما لافريقي” أكثر من مجرد كلمات، بل هو وعد متجدد بالوفاء لنادٍ صنع المجد، ورفع راية تونس عاليًا في كل الميادين.

النادي الإفريقي سيبقى دائمًا “نادي الشعب”، الفريق الذي لا يُقاس تاريخه بعدد الألقاب فقط، بل بقيمته الرمزية ومكانته في القلوب. فهو ذاكرة وطن وهوية مدينة، وسيظل لونه الأحمر والأبيض عنوانًا للفخر والكرامة والانتماء.

تقديم الشبيبة القيروانية :

تُعدّ الشبيبة الرياضية القيروانية، أو كما يحب أن يسميها عشاقها “الجي إس كا” (JSK)، واحدة من أعرق الجمعيات الرياضية في تونس، ومن أبرز رموز المدينة التاريخية القيروان، مهد الحضارة الإسلامية في شمال إفريقيا. تأسست الشبيبة سنة 1942 في فترة كانت فيها البلاد تحت وطأة الاستعمار الفرنسي، وكان الهدف من تأسيسها ليس رياضيًا فحسب، بل وطنيًا وثقافيًا أيضًا، لتكون صوتًا لأبناء القيروان وواجهة تُعبّر عن طموحاتهم وهويتهم.

منذ بداياتها، اختارت الشبيبة القيروانية اللونين الأخضر والأبيض، لون النخيل والعراقة، رمزًا للنقاء والأصالة والارتباط بالأرض. ولم يكن طريقها سهلًا في ظل قلة الإمكانيات آنذاك، لكنّ روح المدينة وعشق جماهيرها جعلها تصمد وتفرض نفسها ضمن أبرز الجمعيات الرياضية في تونس، سواء في كرة القدم أو كرة السلة أو الرياضات الفردية.

عرفت الشبيبة القيروانية انطلاقتها الحقيقية في خمسينات القرن الماضي، حين بدأت تشارك بانتظام في البطولات الوطنية، وبرز اسمها بين الفرق المنافسة على الصعيد الجهوي، قبل أن تصعد تدريجيًا نحو النخبة. وكانت القيروان تعيش على إيقاع مباريات الفريق التي كانت تُقام في ملعب حمدة العواني، ذلك الفضاء الذي تحوّل إلى قلعة خضراء تجمع بين التاريخ والعاطفة والروح الرياضية.

في كرة القدم، تعتبر الشبيبة القيروانية من الفرق التي تركت بصمة قوية في البطولة التونسية. فقد صعدت إلى القسم الوطني الأول للمرة الأولى سنة 1980، وحققت منذ ذلك الوقت حضورًا محترمًا بفضل جيل من اللاعبين الذين دافعوا عن الألوان الخضراء بشرف، مثل الهادي البقالي، طارق الحضيري، عبد المجيد الجبالي، وفوزي البنزرتي الذي درّب الفريق في إحدى الفترات الذهبية.

رغم أن الفريق لم يتوّج ببطولة تونس في كرة القدم، إلا أنه كان دائمًا مدرسة في الروح القتالية واللعب النظيف، وكان خصمًا عنيدًا للفرق الكبرى مثل الترجي والنادي الإفريقي والنجم الساحلي. وبلغ الفريق نهائي كأس تونس سنة 2001، حيث خسر بشرف أمام الترجي الرياضي التونسي، في مباراة تبقى خالدة في ذاكرة الأحباء الذين اعتبروا الوصول إلى النهائي في حد ذاته إنجازًا تاريخيًا.

لكن المجد الأكبر للشبيبة القيروانية لم يكن في كرة القدم فقط، بل في كرة السلة، حيث تُعتبر من بين أعمدة هذه الرياضة في تونس وإفريقيا. فقد هيمنت الشبيبة على كرة السلة التونسية لعقود، وحققت العديد من الألقاب، من بينها بطولات تونس وكؤوس تونس، وشاركت في البطولات الإفريقية والعربية. وكان اسم القيروان يرتفع عاليًا بفضل فريقها الأسطوري الذي صنع أمجاد كرة السلة التونسية، خاصة في تسعينيات القرن الماضي.

فريق كرة السلة في الشبيبة القيروانية أنجب أجيالًا من النجوم، مثل رياض الڨويد، كريم التومي، نجيب غربي، وسامي الزواوي، الذين كتبوا التاريخ بأحرف من ذهب، وجعلوا من القيروان قلعة للكرة البرتقالية في تونس. وكانت مباريات “الكلاسيكو” بين الشبيبة والنجم الرادسي أو النادي الإفريقي في كرة السلة من أكثر اللقاءات حماسة وجماهيرية.

جماهير الشبيبة القيروانية معروفة بولائها الكبير للفريق، وبروحها الهادئة التي تجمع بين الأصالة والانتماء. فهم لا يرون في الفريق مجرد نادٍ رياضي، بل رمزًا لمدينتهم، وحلقة وصل بين ماضيها المجيد وحاضرها الرياضي. وعبر كل الصعوبات التي مرّ بها الفريق، ظلت الجماهير وفية لشعار “الشبيبة تاج القيروان”، تسانده في السراء والضراء.

مرت الشبيبة بفترات صعبة، خاصة في السنوات الأخيرة، بسبب مشاكل مالية وإدارية أثرت على استقرارها، وأدت إلى نزول فريق كرة القدم إلى الأقسام الأدنى أكثر من مرة. لكن كلما سقطت، نهضت من جديد بفضل أبنائها وأحبائها الذين لا يقبلون أن تُطفأ شعلة القيروان. فقد شهدت المدينة مبادرات أهلية لدعم الفريق، وجمع التبرعات لإعادته إلى مكانه الطبيعي بين الكبار.

تاريخ الشبيبة القيروانية ليس مجرد أرقام وألقاب، بل هو قصة كفاح مستمر. فهي تمثل مدينة القيروان بكل ما تحمله من رمزية تاريخية وثقافية ودينية. ومن خلال ملاعبها وصالاتها، نقلت الشبيبة روح المدينة إلى الأجيال الجديدة، لتبقى رمزًا للهوية والانتماء والاعتزاز بالذات.

وقد عرفت الجمعية خلال مسيرتها قيادات بارزة ساهمت في تطويرها، مثل محمد الغربي، منصف الشبعان، وطارق الشريف، الذين بذلوا مجهودات كبيرة في الحفاظ على استقرار النادي رغم ضعف الموارد. كما أن الشبيبة ساهمت في تكوين العديد من الرياضيين الذين مثّلوا المنتخبات الوطنية في مختلف الرياضات، مما يعكس مكانتها كمدرسة حقيقية لصناعة الأبطال.

أما القيروان نفسها، فهي مدينة لها سحر خاص، وعندما يتحدث الناس عن الشبيبة فإنهم يتحدثون عن تاريخ المدينة كلها، عن أصوات الجماهير التي تملأ الأجواء في كل مباراة، عن راية خضراء تُرفع في وجه الرياح، عن حُلم لا يموت.

رغم الظروف الاقتصادية الصعبة وغياب الدعم الكافي، فإن إرادة أبناء القيروان تبقى صلبة. فالشبيبة ليست مجرد جمعية رياضية بل رمز لعراقة مدينة عمرها أكثر من 13 قرنًا. وكما بقيت القيروان خالدة في التاريخ الإسلامي، ستبقى الشبيبة القيروانية خالدة في ذاكرة الرياضة التونسية.

اليوم، يعمل الفريق على بناء مستقبل جديد، قائم على تكوين الشباب، وتنمية المواهب المحلية، واسترجاع البريق المفقود. فالأجيال الجديدة من أبناء القيروان تحلم برؤية فريقها في القمة من جديد، تنافس الكبار وتعيد للأخضر والأبيض مكانته الطبيعية.

مهما تعاقبت الأجيال وتبدلت الظروف، ستبقى الشبيبة القيروانية عنوانًا للوفاء والاعتزاز، ومدرسة في الصبر والتحدي. لأن من ينتمي إلى الشبيبة لا يبدل حبّه، ومن يرفع شعارها يعلم أن القيروان لا تسقط، بل تنهض كل مرة أقوى.




0Comments