Labels

Show more

مباراة الملعب التونسي و الترجي الجرجيسي

 

البث المباشر في أسفل الصفحة

تقديم الملعب التونسي :

يُعَدّ نادي الملعب التونسي واحدًا من أعرق وأقدم الأندية الرياضية في تونس، وقد تأسس رسميًا في 11 يناير سنة 1948 في ضاحية باردو بالعاصمة التونسية، تلك المنطقة التي تجمع بين الأصالة الشعبية والنَفَس الوطني والثقافي. نشأ النادي في فترة دقيقة من تاريخ البلاد، حين كانت تونس لا تزال ترزح تحت نير الاستعمار الفرنسي، فجاء تأسيس الملعب التونسي بمثابة رسالة سياسية ورياضية في آنٍ واحد، تُعبّر عن الروح الوطنية والرغبة في التحدي وإثبات الذات. ومنذ اللحظات الأولى لتكوينه، حمل النادي اللونين الأخضر والأحمر، وهما رمزان يجمعان بين الأمل والحماسة، وبين الانتماء والكرامة.

في سنواته الأولى، كان النادي يُعتبر مدرسة حقيقية في تكوين اللاعبين، فقد فتح أبوابه للشباب من مختلف الطبقات الاجتماعية، ليمنحهم فرصة التألق في المستديرة بعيدًا عن التفرقة أو الامتيازات. ومع مرور الوقت، أصبح الملعب التونسي أحد الأقطاب الكبرى في كرة القدم التونسية، منافسًا شرسًا لعمالقة العاصمة كـالترجي الرياضي والنادي الإفريقي، وممثلاً قويًا لكرة القدم الشعبية النزيهة والمخلصة لقيم الرياضة.

عرف النادي مسيرة حافلة بالنجاحات، إذ تُوّج بعدة ألقاب في كأس تونس وكأس السوبر، كما حقّق حضورًا مشرّفًا في البطولة الوطنية. يُعتبر الملعب التونسي من أكثر الأندية التونسية تتويجًا بكأس تونس، وقد اشتهر بمبارياته القوية وبأجياله المتعاقبة من النجوم الذين تركوا بصمة خالدة في ذاكرة الجماهير. ومن بين هؤلاء الأسماء اللامعة نذكر حمادي العقربي والمنصف الخويني وسامي الطرابلسي والمنذر الكبير وأنيس بن شويخة وراضي الجعايدي، وغيرهم من اللاعبين الذين مثّلوا النادي والمنتخب الوطني التونسي بأداء راقٍ وروح عالية.

لم يكن الملعب التونسي مجرّد نادٍ لكرة القدم فحسب، بل كان مؤسسة اجتماعية وثقافية في باردو، حيث مثّل مصدر فخرٍ للأهالي ومتنفسًا للشباب. كان الملعب ملتقى للعائلات، ومنصة للتربية الرياضية والسلوك الحضاري. وقد ساهم النادي في نشر قيم الاحترام والانضباط والعمل الجماعي، فغرس في نفوس أجيال متتالية حبّ الوطن عبر الرياضة.

على مرّ العقود، مرّ النادي بفترات ازدهار وأخرى صعبة، لكنه ظلّ ثابتًا على مبدئه: الكفاح والإصرار. فقد واجه الملعب التونسي أزمات مالية وإدارية، وهبوطًا إلى الرابطة الثانية في بعض المواسم، لكنه دائمًا ما عاد أقوى، مستندًا إلى جماهيره الوفية التي لم تتخلَّ عنه مهما كانت الظروف. شعار الأنصار الشهير "ديما باردو" أصبح رمزًا للانتماء والوفاء، ودليلًا على علاقة حبّ متجذّرة بين الفريق وجماهيره.

من جهة أخرى، يتميز النادي ببنيته التحتية الجيدة نسبيًا مقارنة بعدة أندية تونسية أخرى، إذ يحتضن ملعب الهادي النيفر بباردو مبارياته الرسمية، وهو ملعب ذو طابع خاص ارتبط في ذاكرة المشجعين بالأهازيج والروح الحماسية التي لا تهدأ. أما مركز التكوين التابع للنادي، فقد أصبح منارة لصقل المواهب الشابة، التي يراهن عليها الفريق في سبيل تجديد دمائه ومواصلة المنافسة على أعلى المستويات.

وفي السنوات الأخيرة، سعى الملعب التونسي إلى تحديث أساليبه الإدارية والفنية، عبر انتداب كفاءات جديدة وإعادة هيكلة الفريق على أسس احترافية. كما عملت هيئاته المتعاقبة على تطوير الجانب التسويقي والإعلامي للنادي، مستغلة وسائل التواصل الاجتماعي للتقرب من الجماهير وإبراز هوية النادي العريقة.

لا يمكن الحديث عن الملعب التونسي دون التطرّق إلى جماهيره الوفية، تلك التي ظلت دوماً السند الحقيقي في الأوقات الصعبة. الأنصار الذين يملؤون المدارج بالأعلام الخضراء والحمراء، ويرفعون الشعارات المليئة بالعشق والانتماء، هم القلب النابض للفريق. بالنسبة لهم، الملعب التونسي ليس مجرّد نادٍ، بل هو أسلوب حياة وذاكرة جماعية ومصدر اعتزاز وطني.

كما يُعتبر النادي مدرسة حقيقية لتخريج المدربين والإداريين، فعديد من الأسماء التي لعبت أو عملت داخله أصبحت لاحقًا رموزًا في كرة القدم التونسية والعربية، وهو ما يعكس عمق التجربة وتنوّع الخبرات التي مرّت عبره.

رغم التحولات الكبيرة في المشهد الكروي التونسي، بقي الملعب التونسي متمسكًا بقيمه الأصيلة: اللعب النظيف، الروح الرياضية، والتشبث بالهوية. النادي لا يلهث وراء الشهرة أو الأموال، بل يركّز على رسالته التربوية والرياضية، وهي تكوين الشباب وبثّ حبّ الرياضة في المجتمع.

ولعلّ أكثر ما يميّز الملعب التونسي هو قدرته على النهوض بعد كل سقوط، تمامًا كما يفعل الكبار الحقيقيون. كل مرة يُظن أنه انتهى، يعود في الموسم الموالي أقوى، بأداء مشرف وروح جديدة. وهذا ما جعل منه رمزًا للمثابرة والعزيمة في الرياضة التونسية.

إنّ الملعب التونسي ليس مجرد نادٍ عابر في تاريخ الكرة التونسية، بل هو جزء من الهوية الرياضية الوطنية، وركيزة من ركائز كرة القدم في العاصمة. فاسمه محفور في ذاكرة كل تونسي، سواء من باردو أو من بقية المدن، لما يحمله من رمزية تاريخية وشعبية.

واليوم، بعد أكثر من سبعين سنة على تأسيسه، لا يزال الملعب التونسي يحمل نفس الحلم الذي وُلد من أجله سنة 1948: أن يظل فريق الشعب، وفريق المبادئ، وفريق الأمل. ومع الجيل الجديد من اللاعبين والإداريين والجماهير، يبدو أن النادي مستعدّ لكتابة فصل جديد من تاريخه المشرّف، عنوانه الوفاء والتجديد والطموح نحو الأفضل.

تقديم الترجي الجرجيسي :

يُعدّ **الترجي الرياضي الجرجيسي** من أبرز الأندية التي مثّلت الجنوب التونسي في عالم كرة القدم، وهو نادٍ له تاريخ طويل وحافل بالإنجازات والمواقف البطولية، تأسس في **9 يناير سنة 1934** بمدينة **جرجيس**، تلك المدينة الواقعة في أقصى الجنوب الشرقي لتونس، المشهورة بكرم أهلها وطيبتهم وحبهم العميق لكرة القدم. جاء تأسيس النادي في فترة صعبة من تاريخ البلاد، حيث كان الاستعمار الفرنسي لا يزال جاثمًا على صدور التونسيين، فكانت ولادة الترجي الجرجيسي بمثابة فعل مقاومة ثقافي ورياضي، يُعبّر عن إرادة السكان في تأكيد هويتهم التونسية من خلال الرياضة.

منذ بداياته، حمل النادي اللونين **الأحمر والأصفر**، المستوحَيين من ألوان الترجي الرياضي التونسي، غير أن الفريق الجرجيسي منح لهما روحًا محلية خاصة تمزج بين حرارة الجنوب وإصرار أهله. شعار النادي يجمع بين الشجاعة والعزيمة والانتماء، وهو يعكس بوضوح شخصية الجرجيسيين الذين عرفوا دائمًا بالصلابة والمثابرة وحبّ الأرض.

كان الترجي الجرجيسي في بدايته نادٍ شعبي بسيط، يعتمد على الجهود الذاتية والتضحيات الفردية، لكن رغم ضعف الإمكانيات، نجح في فرض نفسه تدريجيًا في الساحة الرياضية الجهوية والوطنية. لقد شكّل النادي ملاذًا للشباب الجرجيسي الطموح، فصار فضاءً لتفجير الطاقات الرياضية وإبراز المواهب. كانت المباريات في تلك السنوات تُقام على أرضيات ترابية، في أجواء يغلب عليها الحماس والعشق الصادق للفريق، حيث يجتمع سكان المدينة عن بكرة أبيهم لتشجيع أبناءهم بكل فخر.

في الثمانينيات والتسعينيات، بدأ الترجي الجرجيسي يشق طريقه نحو المجد، إذ تمكن من الصعود إلى **الرابطة المحترفة الأولى**، ليصبح بذلك أول ممثل حقيقي لجهة جرجيس والجنوب الشرقي في النخبة التونسية. وكان هذا الإنجاز بمثابة حلم تحقق لجماهير عاشت سنوات طويلة وهي تحلم بمشاهدة فريقها في مصاف الكبار. ومنذ تلك اللحظة، لم يعد الترجي الجرجيسي مجرد نادٍ محلي، بل أصبح رمزًا للجهة، وصوتًا يعبر عن الجنوب في ملاعب العاصمة وصفاقس وسوسة.

أبرز إنجازات الفريق كانت **بلوغه نهائي كأس تونس سنة 2005**، في حدث تاريخي لا يزال محفورًا في ذاكرة كل مشجع جرجيسي. يومها، واجه الترجي الجرجيسي فريق **الترجي الرياضي التونسي** في مباراة مثيرة انتهت بفوز الأخير، لكن الأداء البطولي لأبناء جرجيس منحهم احترام جميع التونسيين. ذلك اليوم لم يكن مجرد مباراة، بل كان لحظة اعتراف وطني بقدرة فريق الجنوب على مقارعة أعتى الأندية التونسية.

ويُعدّ **ملعب جرجيس البلدي** معقل الترجي الرياضي الجرجيسي، وهو الملعب الذي عاش لحظات لا تُنسى من الفرح والحزن والاحتفال. هناك، تصدح الأغاني الجرجيسية، وتُرفع الأعلام الحمراء والصفراء في مشهد يجمع بين الانتماء والعشق، بين الماضي والحاضر. الجماهير الجرجيسية تُعرف بولائها اللامحدود، فهي لا تتخلى عن ناديها حتى في أصعب الظروف، تُرافقه في الحل والترحال، وتؤمن به رغم كل الكبوات.

عرف الفريق على مرّ السنين أجيالًا متعاقبة من اللاعبين الذين تركوا بصماتهم في تاريخ النادي، مثل **المرحوم عبد القادر بن شيخة**، و**عبد الناصر العيوني**، و**محمد علي نفخة**، و**أحمد العياري**، وغيرهم من اللاعبين الذين حملوا القميص بكل فخر وأدوا بإخلاص حتى آخر لحظة. كما مرّ بالنادي مدربون أكفاء تركوا بصمة فنية واضحة، ساهموا في تطوير أسلوب اللعب وتنظيم الفريق على أسس احترافية.

رغم تواضع الإمكانيات المادية مقارنة بالأندية الكبرى، إلا أنّ الترجي الجرجيسي ظلّ صامدًا بفضل أبنائه الغيورين ودعم محبيه من رجال الأعمال والمجتمع المدني المحلي. كان النادي دائمًا مثالًا للنضال الرياضي الشريف، يواجه الصعوبات بشجاعة، ويقاوم الأزمات المالية والإدارية بروح المسؤولية والانتماء.

على المستوى الاجتماعي، لعب الترجي الجرجيسي دورًا مهمًا في المجتمع الجرجيسي، فقد كان ولا يزال فضاءً لتربية الأجيال على القيم الرياضية، والانضباط، والروح الجماعية. كما ساهم النادي في لمّ شمل الجرجيسيين حول هدف واحد يوحدهم مهما اختلفت آراؤهم. الملعب كان وما يزال بيتًا ثانيًا لكل شاب جرجيسي يحلم بأن يرفع اسم مدينته عاليًا.

وفي السنوات الأخيرة، عرف الفريق بعض الصعوبات الإدارية والمالية التي أثّرت على نتائجه، فتارة يهبط إلى الرابطة الثانية وتارة يعود إلى الأولى، لكن ما يميز الترجي الجرجيسي هو هذه **القدرة العجيبة على النهوض من جديد**، بفضل حبّ جماهيره وإيمانها العميق بأنّ النادي ليس مجرّد فريق، بل رمز للهوية الجرجيسية وذاكرة المدينة.

إنّ مشجعي الترجي الجرجيسي يتميزون بعشق لا يُقاس، فهم يعيشون كل مباراة بكل تفاصيلها، ويعتبرون القميص الأحمر والأصفر جزءًا من دمائهم. لا يهمهم إن ربح الفريق أو خسر، المهم أنه قاتل بشرف. أغانيهم في المدارج تعكس الأصالة والحماس، وتحوّل كل لقاء إلى احتفال جماهيري يعكس الروح الجنوبية المتفائلة رغم كل الظروف.

في ظل التطور الكبير لكرة القدم التونسية، يسعى الترجي الجرجيسي اليوم إلى إعادة ترتيب بيته الداخلي، وإرساء مشروع رياضي متكامل يُعيده إلى مكانته الطبيعية بين الكبار. يعمل النادي على تطوير مركز تكوين الشبان، وتنمية موارده المالية، واستغلال الطاقات المحلية من مدربين ولاعبين لتكوين جيل جديد قادر على رفع المشعل.

ولا يمكن الحديث عن الترجي الجرجيسي دون الإشارة إلى العلاقة القوية التي تربطه بمدينة جرجيس وسكانها. فكلّ بيت في جرجيس تقريبًا له قصة مع الترجي، وكلّ طفل يكبر وهو يحلم بارتداء قميص الفريق. النادي هو الفخر الجماعي للمدينة، ونجاحه يعني فرحة عامة، بينما هزيمته تُشعر الجميع بالحزن وكأنها مسألة شخصية.

اليوم، وبعد أكثر من **تسعين عامًا** على تأسيسه، لا يزال الترجي الرياضي الجرجيسي واقفًا شامخًا رغم العواصف. فالنادي الذي وُلد من رحم النضال الوطني لا يمكن أن يندثر بسهولة. هو رمز للثبات والعزيمة، وصوت الجنوب الذي لا يسكت. جماهيره تقول دائمًا: “الترجي الجرجيسي ما يموتش”، وهذه العبارة تختصر تاريخًا طويلاً من الإصرار والحب والوفاء.

إنّ الترجي الرياضي الجرجيسي ليس فقط فريقًا لكرة القدم، بل هو **ذاكرة جرجيس**، وقطعة من وجدانها، ومرآة تعكس نضال أهلها وكرامتهم. من ملعب الرمل القديم إلى المدرجات الحديثة، ومن الأيام الصعبة إلى لحظات الفرح، يبقى الترجي الجرجيسي جزءًا من هوية الجنوب التونسي، وفخرًا لكل من يؤمن بأنّ الرياضة ليست مجرد لعبة، بل مدرسة للحياة.


0Comments