يُعدّ المنتخب التونسي لكرة القدم واحداً من أبرز المنتخبات العربية والإفريقية، وقد صنع لنفسه مكانة مرموقة بفضل تاريخ طويل من المشاركات القارية والدولية والنتائج المشرفة التي سجّلها عبر العقود. تأسست الجامعة التونسية لكرة القدم سنة 1957، وبعد استقلال البلاد بدأ المنتخب يشق طريقه تدريجياً نحو الظهور في الساحة الإفريقية، حيث شارك لأول مرة في تصفيات كأس العالم سنة 1962، قبل أن ينجح لاحقاً في كتابة إحدى أهم الصفحات في تاريخ كرة القدم العربية. ويعتبر لقب "نسور قرطاج" رمزاً للقوة والإصرار، وهو لقب التصق بالمنتخب لما أظهره من روح قتالية وحضور ذهني قوي في البطولات الكبرى.
كانت المشاركة التاريخية الأولى في كأس العالم 1978 بالأرجنتين علامة فاصلة، إذ تمكن المنتخب التونسي من تحقيق أول انتصار في تاريخ العرب بالمونديال بعد فوزه الشهير على المكسيك بثلاثة أهداف مقابل هدف واحد، وهو إنجاز دوّى صداه عبر القارات وجعل تونس أول منتخب عربي وإفريقي يحقق انتصاراً في كأس العالم. وبقي هذا الجيل محفوراً في ذاكرة الجماهير، خصوصاً أنه قدم أداءً محترماً أمام ألمانيا الغربية ورومانيا، مما جعل تونس تخرج مرفوعة الرأس رغم عدم تأهلها للدور الثاني.
بعد سنوات من العمل المتواصل، عاد المنتخب بقوة إلى الواجهة في بداية الألفية الجديدة مع جيل جديد وقيادة تقنية مختلفة، حيث بات الحضور في كأس العالم أمراً ثابتاً تقريباً، إذ شاركت تونس في مونديالات 1998، 2002، 2006، 2018 و2022، محققة بذلك خمس مشاركات متتالية تقريباً على مدى ربع قرن. وفي كل مشاركة كان المنتخب يطمح لتحسين نتائجه وتقديم صورة مشرّفة رغم صعوبة المجموعات التي وُضع فيها.
أما على الصعيد القاري، فقد كانت سنة 2004 إحدى أجمل لحظات الكرة التونسية، حين استضافت تونس كأس الأمم الإفريقية وتمكنت من تحقيق اللقب لأول مرة في تاريخها بعد مسيرة استثنائية وحضور جماهيري كبير. ونجح نسور قرطاج في تجاوز منتخبات قوية مثل نيجيريا في نصف النهائي والمغرب في النهائي، في بطولة بقيت محفورة في الذاكرة واعتُبرت تتويجاً لجهود سنوات من التطوير. وقد كان لذلك الجيل أسماء لها وزنها مثل عادل الشاذلي، خالد بدرة، حاتم الطرابلسي، زبير بية، فرانكلين بن عيا، وعلي زيتوني، إضافة إلى روح جماعية متميزة.
واصل المنتخب التونسي فيما بعد حضوره المتواصل في كأس إفريقيا، وتمكن في العديد من النسخ من الوصول إلى الأدوار المتقدمة على غرار الوصول إلى نصف النهائي في 2019، رغم تقلبات النتائج واختلاف الأجيال. ويُعرف النسور بأسلوب لعب يعتمد على الانضباط التكتيكي، الضغط العالي، والقوة الدفاعية التي طالما ميزت كرة القدم التونسية. كما يمتلك المنتخب حضوراً قوياً على مستوى شمال إفريقيا، حيث تجمعه منافسة تاريخية مع الجزائر والمغرب وليبيا ومصر.
وقد ساهمت أندية تونس الكبرى مثل الترجي الرياضي التونسي، النجم الساحلي، النادي الإفريقي، والصفاقسي، في تزويد المنتخب بنجوم كبار، إذ كانت المدارس التونسية في تكوين اللاعبين واحدة من الأفضل في القارة، مما مكّن المنتخب من الاعتماد على قاعدة محلية قوية عززتها المواهب المحترفة في أوروبا. ويعد الاحتراف الخارجي عاملاً مهماً ساعد اللاعبين التونسيين على تطوير مستوياتهم، خصوصاً في الدوريات الفرنسية والبلجيكية والتركية.
شهد المنتخب في السنوات الأخيرة جيلاً جديداً من المواهب مثل يوسف المساكني، وهبي الخزري، علي معلول، منتصر الطالبي، إلياس السخيري، وعيسى العيدوني، وهي أسماء ساهمت في تقديم مستويات جيدة في المؤتمرات الدولية، أبرزها الفوز التاريخي على فرنسا بطلة العالم في مونديال 2022، وهو فوز اعتُبر واحداً من أكبر الإنجازات في تاريخ المنتخب رغم الخروج من دور المجموعات.
كما يعمل الجهاز الفني دائماً على خلق توازن بين اللاعبين المحليين والمحترفين، إضافة إلى إدماج مواهب جديدة قادرة على تقديم الإضافة. وتواصل الجامعة التونسية لكرة القدم الاستثمار في البنية التحتية، تطوير مراكز التكوين، وتنظيم بطولات قوية تساعد على اكتشاف لاعبين جدد. ويحظى المنتخب بدعم جماهيري غير مسبوق داخل تونس وخارجها، حيث يُعرف الجمهور التونسي بشغفه الكبير وحضوره المكثف في الملاعب.
وبين طموح العودة إلى منصة التتويج القاري والسعي إلى تحقيق حضور أقوى في كأس العالم المقبلة، يبقى المنتخب التونسي مشروعاً رياضياً وطنياً يجمع كل التونسيين حول حلم واحد: رؤية نسور قرطاج يحلقون أعلى في سماء الكرة العالمية، ويواصلون كتابة تاريخ مشرف لكرة القدم التونسية. ورغم التحديات والصعوبات، فإن روح المنتخب تبقى ثابتة، قائمة على الجدية والانضباط والروح الوطنية التي لم تغب عن لاعبيه في أي زمن.
يُعدّ المنتخب البرازيلي لكرة القدم، المعروف بلقب السيلساو، واحداً من أقوى وأشهر المنتخبات في تاريخ اللعبة، بل ويعتبره كثيرون أفضل منتخب عرفته كرة القدم منذ نشأتها. فالبرازيل هي البلد الوحيد الذي شارك في جميع نسخ كأس العالم دون استثناء منذ سنة 1930، وهو إنجاز يعكس ثبات المستوى وقوة البنية الكروية في هذا البلد الذي يُعدّ كرة القدم جزءاً من ثقافته اليومية. يرتبط اسم البرازيل دائماً بالمهارة، المتعة، الفن، واللعب الهجومي الساحر، وهي سمات صنعت هوية هذا المنتخب عبر أجيال مختلفة تركت بصمتها في الذاكرة الجماعية للعالم.
بدأ المنتخب البرازيلي رحلة البحث عن المجد في العقود الأولى من القرن العشرين، لكنه لم يتوج بكأس العالم إلا سنة 1958 في السويد، حين ظهر صبي صغير اسمه "بيليه" ليغيّر وجه الرياضة إلى الأبد. كان ذلك الفريق يضم لاعبين أسطوريين مثل فافا، ديدي، زاغالو، وجارينشا، وقدموا كرة هجومية ممتعة لم يرَ العالم مثلها قبل ذلك. ولم يكتفِ المنتخب بهذا التتويج، بل عاد بعد أربع سنوات فقط سنة 1962 في تشيلي ليؤكد سيطرته ويفوز بالكأس للمرة الثانية، رغم إصابة بيليه المبكرة، ليبرز جارنيشا كأحد أعظم الموهوبين في تاريخ اللعبة.
ومع نهاية الستينيات، بدأ بناء جيل جديد سيكتب التاريخ في كأس العالم 1970 بالمكسيك. ويُعتبر منتخب البرازيل لسنة 1970 أعظم فريق في تاريخ كرة القدم حسب الكثير من الخبراء والمشجعين. فقد جمع بين المواهب الفردية الخرافية، والانسجام الجماعي، واللياقة البدنية العالية، إضافة إلى الأسلوب الهجومي الذي لا يمكن إيقافه. ضمّ ذلك المنتخب أسماء خالدة مثل بيليه، ريفيلينو، جايرزينيو، توستاو، وكارلوس ألبرتو، الذين قادوا السيلساو للفوز بالمونديال للمرة الثالثة بطريقة ساحرة جعلت العالم يقع في حب "السامبا" إلى الأبد. وقد أصبحت صور وأهداف ذلك الفريق جزءاً من ذاكرة كرة القدم العالمية.
بعدها، مر المنتخب بفترة انتقالية خلال السبعينات والثمانينات، ورغم امتلاكه لأسماء كبيرة مثل زيكو، سقراط، فالكاو، وكارينكا، إلا أن الحظ لم يحالف البرازيل في التتويج رغم الأداء الجميل. وظلت البرازيل وفية لأسلوبها الممتع، لكنّ جمهورها ظلّ ينتظر لقباً يعيد الهيبة العالمية. وفي بداية التسعينات، ظهر جيل جديد بقيادة روماريو وبيبيتو يحيي آمال البرازيليين، لتكون العودة إلى منصة التتويج في مونديال 1994 بالولايات المتحدة بعد مباراة نهائية مثيرة أمام إيطاليا انتهت بركلات الترجيح، ليحصد المنتخب لقبه الرابع.
وكأن القدر كتب للبرازيل أن تبقى دائماً في القمة، فقد ظهر مع بداية الألفية نجم جديد اسمه رونالدو "الظاهرة"، الذي قاد مع ريفالدو ورونالدينيو منتخباً رائعاً إلى نهائي كأس العالم 1998 ثم إلى التتويج الخامس سنة 2002 في كوريا واليابان، لتصبح البرازيل أول منتخب يفوز بخمس بطولات كأس عالم. وقد شكّل هذا التتويج حدثاً عالمياً رسّخ صورة السيلساو كأعظم منتخب في التاريخ.
بعد 2002، واصل المنتخب البرازيلي إنتاج النجوم عبر مختلف الأجيال، فشهدت الملاعب لاعبين مثل كاكا، روبينيو، أدريانو، ثم نيمار الذي أصبح أحد أبرز نجوم العقد الأخير. ورغم امتلاك المواهب، واجه المنتخب عدة إخفاقات قاسية، أبرزها الهزيمة الشهيرة أمام ألمانيا بنتيجة 7-1 في نصف نهائي كأس العالم 2014 على أرض البرازيل، وهي صدمة تاريخية لا تزال تُذكر حتى اليوم. لكن رغم هذه الضربة، ظل صوت الجماهير يجلجل خلف المنتخب، وواصل السيلساو بناء نفسه من جديد.
عاد المنتخب لاحقاً إلى منصة التتويج القارية عندما فاز بكوبا أمريكا 2019، مؤكدًا أنه لا يزال قوة كروية لا يمكن تجاهلها، خصوصاً مع ظهور لاعبين جدد في مختلف المراكز، من الدفاع إلى الهجوم. ويلعب المنتخب دائماً بأسلوب يعتمد على المهارة الفردية، سرعة اللعب، الإبداع في المساحات الضيقة، إضافة إلى اعتماد مدرسة السامبا التي تُعرف بالمتعة والفنيات العالية.
يعتبر المنتخب البرازيلي مصدر فخر وطني، حيث ترتبط كرة القدم في البرازيل بالهوية والثقافة الشعبية، وتعتبر رمزاً للوحدة بين مختلف فئات المجتمع. الملاعب هناك هي فضاءات للفرح، والمواهب تخرج من الأحياء الشعبية لتصنع التاريخ في أكبر النوادي العالمية. وتواصل البرازيل إلى اليوم تصدير اللاعبين إلى مختلف الدوريات، مما يجعل قاعدة المواهب لا تنتهي.
وبين الحلم بالتتويج السادس والبحث عن إعادة بناء فريق قادر على السيطرة العالمية، يبقى المنتخب البرازيلي هو المنتخب الذي ينتظره العالم في كل نسخة من كأس العالم. فالسيلساو لا يملك فقط تاريخاً عظيماً، بل يحمل معه إرثاً من الفن، الإبداع، القوة، والمتعة، وهو إرث يجعل كل مباراة للبرازيل حدثاً يستحق المتابعة. وعلى الرغم من تغير الأجيال والظروف، سيظل المنتخب البرازيلي رمزاً لكرة القدم الجميلة وواحداً من أعظم المنتخبات التي مرت في تاريخ الرياضة.
0Comments