Loading ad...
Loading ad...
يُعَدّ المنتخب التونسي لكرة القدم، المعروف بلقب نسور قرطاج، واحدًا من أبرز المنتخبات في القارة الإفريقية والعالم العربي، وذلك بفضل الإرث الكروي الكبير الذي راكمه عبر عقود من المنافسة في أعلى المستويات القارية والدولية. منذ تأسيس الجامعة التونسية لكرة القدم سنة 1956، انطلق العمل على بناء منتخب قادر على تمثيل البلاد بكرامة واعتزاز، فكان الدخول في عالم المستديرة من أوسع أبوابه، لتبدأ بذلك رحلة طويلة من الطموحات، الإنجازات، خيبات الأمل، والعودة القوية في كل مرة. وقد استطاع المنتخب عبر مرّ السنين أن يرسّخ مكانته كقوة كروية حقيقية بفضل جيش من اللاعبين الموهوبين، المدربين الأكفاء، والجماهير الوفية التي تظل دائمًا اللاعب رقم 12.
وكان مونديال 1978 بالأرجنتين محطة فارقة في تاريخ المنتخب، إذ أصبح نسور قرطاج أول منتخب عربي وإفريقي يحقق انتصارًا في كأس العالم، بعد فوز تاريخي على المكسيك بثلاثية ستظل محفورة في ذاكرة الجماهير. ذلك الإنجاز لم يكن مجرد انتصار في مباراة، بل كان إعلانًا بأن تونس قادرة على منافسة كبار العالم، وهو ما أعطى دفعة قوية للكرة التونسية للسنوات التالية. ورغم غياب المنتخب عن المونديال لسنوات طويلة بعدها، فإن العودة في نسخة 2002 باليابان وكوريا الجنوبية كانت بداية مرحلة جديدة، شهدت انتظامًا في التأهل إلى كأس العالم أربع مرات متتالية (2002، 2006، 2010، 2018، 2022)، ما جعل تونس واحدة من أكثر المنتخبات الإفريقية حضورًا في البطولة.
وعلى المستوى القاري، يبقى لقب كأس أمم إفريقيا سنة 2004 الذي تُوّج به المنتخب على أرضه وأمام جماهيره حدثًا استثنائيًا لا يُنسى. فقد قدم المنتخب خلال تلك الدورة أداءً متوازنًا ومقنعًا، معتمدًا على جيل ذهبي يضم لاعبين مثل علي بومنيجل، كريم حقي، رفيق صايفي، زياد الجزيري، جوهر المناري، وسليم بن عاشور، إضافة إلى المدرب الفرنسي روجي لومار الذي ترك بصمة واضحة في تاريخ الكرة التونسية. ذلك التتويج لم يكن مجرد فوز بلقب، بل كان إعلانًا عن بداية جيل قادر على رفع راية تونس عاليًا داخل أدغال إفريقيا وخارجها.
تتميّز هوية المنتخب التونسي بأسلوب لعب يجمع بين الانضباط التكتيكي والروح القتالية، وهي سمات أصبحت علامة مسجلة للكرة التونسية. فسواء تعلّق الأمر بالمباريات الودية أو اللقاءات الرسمية، يبقى المنتخب وفياً لنهجه القائم على الصلابة الدفاعية، التحركات الذكية، والاعتماد على المواهب الفردية في بناء الهجمات واستثمار الفرص. هذا الأسلوب مكّن تونس من الحفاظ على استقرار نسبي في النتائج خلال العقد الأخير، رغم بعض التذبذب في فترات محددة بسبب تغييرات الأجهزة الفنية أو غياب الاستقرار في بعض الخطط.
ولا يمكن الحديث عن المنتخب دون التوقّف عند توهّج بعض نجومه الذين صنعوا التاريخ، مثل طارق ذياب، الذي يُعتبر أحد أفضل اللاعبين في تاريخ تونس والفائز بالكرة الذهبية الإفريقية سنة 1977، أو أمثال خالد بدرة، عادل الشاذلي، وسفيان العكروي، وصولاً إلى الجيل الحالي الذي يضم لاعبين محترفين في أقوى الدوريات الأوروبية مثل إلياس السخيري، حنبعل المجبري، منتصر الطالبي، عيسى العيدوني وغيرهم. وقد أسهم الاحتراف الخارجي في تطوير مستوى العناصر الوطنية، ما جعل المنتخب أكثر نضجًا وقدرة على مجاراة منتخبات إفريقيا الكبرى على غرار السنغال، مصر، المغرب، الجزائر، ونيجيريا.
كما لا يجب إغفال دور الجماهير التونسية التي تظل مصدر القوة والدافع الأساسي للمنتخب. فمدرجات ملعب رادس لطالما اهتزت بهتافات “يحيا تونس” و“نسور قرطاج”، وكانت دائمًا الوقود الذي يحرك اللاعبين داخل الميدان. وقد أثبتت الجماهير التونسية في عدّة مناسبات أنها من أكثر الجماهير شغفًا بالمستديرة، سواء بحضورها المكثف في الملاعب أو بدعمها عبر الشاشات ووسائل التواصل الاجتماعي.
وفي السنوات الأخيرة، أصبح المنتخب يركز على تجديد دمائه والاعتماد على لاعبين شبان ينشطون في أوروبا، إلى جانب عناصر محلية متألقة في بطولة الرابطة المحترفة الأولى. هذا الدمج بين الخبرة والطموح جعل المجموعة أكثر توازنًا وجاهزية لخوض التحديات الكبرى، وخاصة التصفيات المؤهلة لكأس العالم 2026 وكأس أمم إفريقيا القادمة. ومع كل مباراة يخوضها المنتخب، يبقى الهدف واحدًا: رفع علم تونس عاليًا وإسعاد ملايين التونسيين المنتشرين حول العالم.
وبالرغم من الانتقادات أحيانًا بشأن الأداء الهجومي أو غياب الانسجام في فترات معينة، يبقى المنتخب التونسي رمزًا للفخر الوطني، وعنوانًا للقوة والانتماء. فهو ليس مجرد فريق كرة قدم، بل هو ممثل شعب كامل، وتاريخه الطويل يشهد على قدرته الدائمة على العودة بقوة مهما كانت الظروف. ومع كل جيل جديد يرتدي القميص الأحمر، يتجدد الأمل في كتابة صفحات جديدة من المجد والبطولات، ليظل اسم تونس حاضرًا بين كبار القارة والعالم.
يُعتبر المنتخب القطري لكرة القدم، الملقّب بـ العنّابي، واحدًا من أسرع المنتخبات تطورًا في القارة الآسيوية خلال العقود الأخيرة، بفضل مشروع كروي متكامل وضعته الدولة بهدف صناعة منتخب قادر على المنافسة قارياً ودولياً. فمنذ تأسيس الاتحاد القطري لكرة القدم سنة 1960، بدأ الاهتمام بتشكيل منتخب يمثّل البلاد في البطولات الإقليمية، لكن الانطلاقة الحقيقية نحو الاحترافية والبناء المنهجي بدأت مع بداية الألفية الجديدة، حين دشّنت قطر رؤية شاملة تهدف إلى الاستثمار في البنية التحتية، تكوين اللاعبين، استقدام الخبرات، وتطوير قاعدة قوية لكرة القدم على المدى الطويل.
وتُعدّ أكاديمية أسباير التي تأسست سنة 2004 أحد أهم ركائز هذا المشروع، حيث لعبت دورًا محوريًا في اكتشاف المواهب الشابة وصقلها لتكون نواة المنتخب في المستقبل. وقد ساهمت برامج التدريب المتطورة، المبنية على أسس علمية دقيقة، في تكوين جيل جديد من اللاعبين الذين يتميزون باللياقة العالية، الانضباط التكتيكي، والفهم العميق لروح اللعبة الحديثة. هذا الاستثمار المبكر أثمر عن ظهور لاعبين أصبحوا أسماء بارزة في كرة القدم الآسيوية، مثل المعز علي، أكرم عفيف، بوعلام خوخي، عبد الكريم حسن، والمزيد من الأسماء التي قادت العنابي إلى تحقيق إنجازات تاريخية.
وعلى مستوى البطولات القارية، استطاع المنتخب القطري أن يكتب اسمه بحروف بارزة بعد تتويجه بلقب كأس آسيا 2019 في الإمارات، في إنجاز يُعدّ الأبرز في تاريخ كرة القدم القطرية. فقد قدّم العنابي خلال تلك البطولة أداءً مبهراً، حقق فيه سلسلة من الانتصارات المتتالية دون هزيمة، مع تسجيل 19 هدفًا واستقبال هدف واحد فقط، وهو رقم قياسي لم يسبق لأي منتخب تحقيقه في نسخة واحدة من البطولة. كان ذلك التتويج نتاجًا لسنوات طويلة من العمل، وجاء بفضل الانسجام الكبير بين اللاعبين، الروح القتالية، والقدرات الفنية العالية التي أظهرها المنتخب تحت قيادة المدرب الإسباني فيليكس سانشيز. وقد تركت أهداف المعز علي وتمريرات أكرم عفيف لمسات فنية لامعة لا تزال تُذكر حتى اليوم.
كما شارك المنتخب القطري في عدة بطولات دولية لتعزيز خبرته، فقد تمت دعوته للمنافسة في كوبا أميركا 2019 و الكأس الذهبية 2021، وهي مشاركات فتحت الباب أمام اللاعبين للاحتكاك بمدارس كروية مختلفة مثل الكرة اللاتينية والكونكاكاف، ما جعل المنتخب أكثر نضجًا وأوسع خبرة. وقد ساعدت هذه الاختبارات الدولية في رفع مستوى اللاعبين على المدى الطويل، لتكون قطر بذلك واحدة من الدول الآسيوية القليلة التي تمزج بين المنافسات القارية والتجارب العالمية.
ثم جاءت المرحلة الأهم في تاريخ كرة القدم القطرية: استضافة كأس العالم 2022، كأول دولة عربية وشرق أوسطية تحتضن الحدث الأكبر في تاريخ كرة القدم. ورغم أن مشاركة العنابي في البطولة لم تكن بالمستوى المأمول من حيث النتائج، فإن الاستضافة بحد ذاتها شكلت علامة فارقة، إذ مكّنت قطر من تقديم صورة مبهرة للعالم عبر تنظيم أسطوري، ملاعب عالمية المستوى، وبنية تحتية رياضية تُعدّ من الأفضل في العالم. وقد ساهم هذا الحدث في تعزيز التطور الكروي داخل البلاد، وفي خلق بيئة تنافسية جديدة ستعود فائدتها على الأجيال القادمة من اللاعبين.
ويمتاز المنتخب القطري بأسلوب لعب يعتمد على التمرير السلس، السرعة في التحولات، والاختراق عبر الأجنحة، مدعومًا بمرونة تكتيكية واضحة تأثرت بالمدرسة الإسبانية نظرًا لاعتماد قطر على مدربين يحملون فكرًا أوروبياً حديثًا. ومع تطوّر البطولات المحلية مثل دوري نجوم قطر، أصبح للاعبين بيئة احترافية تساعدهم على زيادة الجاهزية البدنية والفنية. كما أدى استقدام لاعبين أجانب مميزين إلى رفع مستوى المنافسة، ما أتاح للاعب القطري فرصة التطور المستمر.
وقد شهد المنتخب خلال السنوات الأخيرة مسارًا تصاعديًا من حيث النتائج، مع نجاحه في بلوغ نهائي كأس العرب 2021، وتقديم مستويات قوية في التصفيات المزدوجة لكأس العالم وكأس آسيا. كما يعول المنتخب على مجموعة من اللاعبين الشباب الذين بدأوا يشكلون الإضافة، بفضل استمرار برامج التكوين التي تعتمد على العلم والاحتراف والانضباط.
ولا يمكن الحديث عن المنتخب القطري دون التوقف عند الدعم الكبير الذي يحظى به من الدولة والجماهير. فالملاعب الحديثة، المدارس الكروية، والاهتمام الرسمي، كلها عوامل جعلت قطر بيئة مثالية لتطور اللعبة. كما أن الجماهير القطرية أصبحت أكثر شغفًا بالمنتخب، خصوصًا بعد تحقيق لقب كأس آسيا، حيث أصبح العنّابي مصدر فخر قومي، ورمزًا للتقدم الرياضي الذي حققته البلاد خلال العقدين الماضيين.
ومع اقتراب البطولات القادمة، يواصل المنتخب القطري العمل على تثبيت مكانته ضمن النخبة الآسيوية، بل والسعي إلى ترك بصمة في المنافسات العالمية المستقبلية. ومع وجود منظومة احترافية واضحة ورؤية طويلة الأمد، تبدو قطر ماضية نحو تحقيق المزيد من الإنجازات التي ستضيف إلى سجلها الكروي، وتمنح جماهيرها المزيد من اللحظات التاريخية التي تجعلهم يفتخرون بمنتخبهم.
0Comments