الترجي الرياضي التونسي هو أحد أعرق الأندية في تاريخ كرة القدم التونسية والإفريقية، تأسس في 15 يناير سنة 1919 في حي باب سويقة العريق بالعاصمة تونس، على يد مجموعة من الشباب الوطنيين الذين كانت غايتهم إنشاء فريق تونسي يُعبّر عن الهوية الوطنية في زمن كانت فيه البلاد تحت الاحتلال الفرنسي. ومنذ ذلك التاريخ، أصبح الترجي رمزًا للروح الرياضية والنضال الشعبي، إذ مثّل أكثر من مجرد نادٍ لكرة القدم، بل كان عنوانًا للفخر والانتماء الوطني. يتميز الترجي بألوانه الحمراء والصفراء التي ترمز إلى الحماسة والنور، ويُلقب بـ"شيخ الأندية التونسية" نظرًا لتاريخه الطويل وإنجازاته المتواصلة التي امتدت لأكثر من قرن من الزمان.
بدأ الترجي مشواره في المنافسات المحلية بشكل متواضع، لكنه سرعان ما أصبح قوة كروية لا تُقهر. في فترة الأربعينيات والخمسينيات، تميّز الفريق بمستويات محترمة رغم الظروف الصعبة وقلة الإمكانيات. وبعد الاستقلال سنة 1956، بدأ النادي مرحلة جديدة من التطور والتنظيم، حيث أسّس لنفسه مكانة راسخة ضمن النخبة الرياضية في تونس. فاز الترجي بأول بطولة وطنية له سنة 1958، ومنذ ذلك الحين لم يتوقف عن حصد الألقاب المحلية بشكل متواصل، حيث تُوج بعشرات بطولات الدوري التونسي، حتى أصبح النادي الأكثر تتويجًا في تاريخ المسابقة.
تُعد جماهير الترجي من بين الأكثر شغفًا وحماسًا في إفريقيا والعالم العربي. فمشجّعو الفريق، المعروفون باسم "المكشخين"، يملؤون المدرجات بالأهازيج والأعلام والألوان الزاهية، ويُعتبرون جزءًا لا يتجزأ من هوية النادي. ملعب الفريق، المعروف باسم ملعب حمادي العقربي برادس، يتحول في كل مباراة إلى قلعة حمراء وصفراء تهتز بالأغاني والطبول، في مشهد يعبّر عن عمق العلاقة بين الترجي وجماهيره.
على الصعيد القاري، ترك الترجي بصمة كبيرة في بطولات الاتحاد الإفريقي لكرة القدم (الكاف). فقد تُوج بدوري أبطال إفريقيا أربع مرات (1994، 2011، 2018، و2019)، وبلغ النهائي في عدة مناسبات أخرى. كما فاز بكأس السوبر الإفريقي، وكأس الاتحاد الإفريقي (الكونفدرالية)، وكأس الكؤوس الإفريقية سابقًا، ليصبح من بين أكثر الأندية تتويجًا على الصعيد القاري. يُعد الترجي من الأندية القليلة التي حافظت على استقرار إداري وفني نسبي، وهو ما سمح له ببناء فريق قوي وذو شخصية ثابتة في جميع العصور.
ومن أبرز الأساطير الذين مرّوا على الفريق نجد عبد المجيد بن مراد، طارق ذياب، نجيب الإمام، شكري الواعر، الهادي بالرخيصة، خالد بن يحيى، راضي الجعايدي، أنيس بوجلبان، ونجوم آخرين من الجيل الذهبي مثل يوسف المساكني وأنيس البدري وفرجاني ساسي. كما ساهم عدد من المدربين الكبار في صناعة تاريخ النادي، أبرزهم فوزي البنزرتي، نبيل معلول، ومعين الشعباني الذي قاد الترجي إلى لقبين متتاليين لدوري أبطال إفريقيا في 2018 و2019، وهو إنجاز تاريخي غير مسبوق للنادي.
يُعرف الترجي بأسلوب لعبه الجماعي المتوازن بين القوة والانضباط التكتيكي، مع الاعتماد على المهارات الفردية للاعبين وصناعة اللعب السريع. ويُعتبر مدرسة في تكوين اللاعبين الشباب، حيث يضم مركز تكوين الترجي نخبة من المواهب الصاعدة التي تغذي الفريق الأول باستمرار. ويُعد النادي من المؤسسات الرياضية القليلة في تونس التي تمتلك هيكلة إدارية محترفة، تشمل كرة القدم، وكرة اليد، وكرة الطائرة، وغيرها من الفروع الرياضية التي تحقّق بدورها نجاحات كبيرة على المستوى المحلي والإفريقي.
على مستوى القيم، يرفع الترجي شعار "العمل، الانضباط، والروح القتالية"، وهي المبادئ التي تُدرّس لكل من ينتمي إلى هذا الكيان. فالنادي لا يُخرّج فقط لاعبين، بل يكوّن رجالًا يتحلّون بروح الفريق والمسؤولية. ولهذا السبب يحظى الترجي باحترام كبير من خصومه حتى وإن كان من أكثر الأندية إثارة للجدل بسبب هيمنته الطويلة على البطولات المحلية.
كما لعب الترجي دورًا بارزًا في تمثيل تونس في المحافل الدولية، فقد شارك في كأس العالم للأندية في أكثر من مناسبة، أبرزها نسخ 2011 و2018 و2019، حيث واجه كبار الأندية العالمية مثل الهلال السعودي والأهلي المصري وريفر بليت الأرجنتيني. ورغم النتائج المتفاوتة، فإن مشاركة الترجي في تلك البطولات رسخت اسمه بين كبار أندية العالم، وأكدت مكانته كنادٍ إفريقي من الطراز الأول.
من الناحية الاجتماعية، ساهم الترجي في نشر قيم الرياضة والتضامن بين الشباب التونسي، وأصبح مؤسسة مجتمعية تدعم العديد من الأنشطة الخيرية والتعليمية. كما يتمتع النادي بقاعدة جماهيرية ضخمة تمتد خارج تونس، خاصة في بلدان المغرب العربي وإفريقيا والشرق الأوسط، حيث يُعتبر الترجي أحد رموز الكرة العربية.
في السنوات الأخيرة، واصل النادي مسيرته بثبات رغم التحديات الاقتصادية والسياسية التي تمر بها البلاد. واستمر في فرض سيطرته على الساحة المحلية بفضل إدارة واعية ولاعبين ذوي كفاءة عالية. ومع دخول القرن الحادي والعشرين، أصبح الترجي مثالًا للنادي العصري الذي يجمع بين العراقة والاحترافية، محافظًا على تاريخه المجيد وساعيًا دومًا لتحقيق المزيد من الإنجازات.
باختصار، الترجي الرياضي التونسي ليس مجرد فريق كرة قدم، بل هو رمز للوطنية والانتماء والنجاح. هو نادٍ كتب فصول المجد بعرق لاعبيه وإخلاص جماهيره، ولا يزال يواصل رسم الحلم الأحمر والأصفر جيلاً بعد جيل. فكل من يرتدي شعار الترجي يدرك أنه يحمل على كتفيه مسؤولية قرن من التضحيات والبطولات، وأن حبّ الترجي ليس اختيارًا، بل هو أسلوب حياة يعيشه كل "مكشخ" بفخر وشغف لا ينتهي.
دوري أبطال إفريقيا هو أعرق وأهم مسابقة كروية على مستوى الأندية في القارة السمراء، ينظمها الاتحاد الإفريقي لكرة القدم (CAF)، ويُعدّ بمثابة الحلم الأكبر لكل نادٍ إفريقي يسعى إلى إثبات تفوقه القاري. تُعد هذه البطولة النظير الإفريقي لدوري أبطال أوروبا، حيث تجمع بين نخبة الأندية الأبطال في مختلف الدوريات الإفريقية، وتُعتبر واجهة مشرفة لكرة القدم الإفريقية بكل ما تحمله من تاريخ، منافسة، شغف، وأمجاد. انطلقت أول نسخة من البطولة سنة 1964 تحت اسم كأس إفريقيا للأندية الأبطال، وكانت تعتمد آنذاك على نظام خروج المغلوب من مباراتين ذهابًا وإيابًا. وقد شهدت النسخة الأولى تتويج نادي أو آر سي ليوبار من الكونغو الديمقراطية كأول بطل في تاريخ المسابقة، فاتحًا الباب أمام مسيرة طويلة من الصراع الكروي بين عمالقة إفريقيا.
منذ نشأتها، كانت البطولة مرآة لتطور كرة القدم في القارة السمراء، إذ جمعت بين مدارس كروية مختلفة: المدرسة العربية في شمال إفريقيا التي تعتمد على التكتيك والانضباط الفني، والمدرسة الإفريقية جنوب الصحراء التي تتميز بالقوة البدنية والسرعة والمهارة العالية. هذا التنوّع جعل من دوري أبطال إفريقيا مسابقة غنية بالمواهب والأساليب المتنوعة، مما أضفى عليها طابعًا فريدًا ومثيرًا.
على مر السنين، تغير اسم المسابقة إلى دوري أبطال إفريقيا في عام 1997، بعد أن أعاد الاتحاد الإفريقي تنظيمها لتصبح أكثر احترافية، مع إدخال مرحلة المجموعات لأول مرة، وزيادة عدد الفرق المشاركة. هذا التحول شكّل نقلة نوعية في تاريخ البطولة، حيث أصبحت أكثر إثارة وجماهيرية، وجعلت من المنافسة فرصة حقيقية للأندية لتطوير بنيتها التحتية ورفع مستواها الفني.
ومن أبرز الأندية التي تركت بصمتها في هذه البطولة، نجد الأهلي المصري الذي يُعد النادي الأكثر تتويجًا في تاريخ دوري أبطال إفريقيا برصيد يفوق 11 لقبًا، وهو رقم قياسي جعل منه “نادي القرن الإفريقي” دون منازع. كما برزت أسماء كبيرة أخرى مثل الزمالك المصري، الترجي الرياضي التونسي، الوداد الرياضي المغربي، الرجاء البيضاوي المغربي، تي بي مازيمبي الكونغولي، وهارتس أوف أوك الغاني، وجميعها أندية ساهمت في رفع مستوى المنافسة، وكتبت صفحات خالدة في تاريخ البطولة.
تتميز دوري أبطال إفريقيا بمبارياتها الحماسية التي تشهد دائمًا منافسة شرسة وجماهير غفيرة تملأ الملاعب، سواء في القاهرة أو تونس أو الدار البيضاء أو كينشاسا أو جوهانسبرغ. فكل مباراة في هذه البطولة تحمل نكهة خاصة، وتُعتبر بمثابة معركة كروية على المستطيل الأخضر، حيث لا مكان للخطأ أو التهاون. وغالبًا ما تكون الأجواء الجماهيرية فيها من بين الأجمل في العالم، إذ تُعرف الملاعب الإفريقية بشغفها الكبير، واحتفالاتها الصاخبة بالألوان والطبول والأهازيج.
من ناحية التنظيم، شهدت البطولة تطورًا كبيرًا خلال العقود الأخيرة. فقد أصبحت تُبث على نطاق عالمي، وتُدار بأنظمة احترافية، حيث بات الاتحاد الإفريقي يعتمد تقنيات حديثة مثل تقنية حكم الفيديو المساعد (VAR) في المراحل النهائية لضمان العدالة التحكيمية. كما باتت الجوائز المالية أكبر من السابق، إذ تصل جائزة البطل اليوم إلى ملايين الدولارات، ما جعل الأندية تسعى بكل قوتها للفوز بهذا اللقب لما يحمله من قيمة رياضية واقتصادية ومعنوية.
وتُعد نسخة 2018–2019 من أبرز النسخ في التاريخ الحديث للبطولة، حيث شهدت أحداثًا مثيرة في النهائي بين الترجي الرياضي التونسي والوداد الرياضي المغربي، في مباراة توقفت بسبب الخلاف على تقنية الفيديو، مما دفع الاتحاد الإفريقي لإصدار قرارات استثنائية أثارت جدلاً واسعًا في الأوساط الرياضية. تلك الحادثة أكدت مدى شغف الجماهير الإفريقية بالبطولة وأهميتها في المشهد الكروي القاري.
من بين أكثر الأمور المميزة في دوري أبطال إفريقيا هو قدرتها على إبراز نجوم كبار أصبحوا لاحقًا رموزًا عالمية، مثل ديدييه دروغبا، محمد أبو تريكة، صامويل إيتو، رياض محرز، محمد صلاح، فرجاني ساسي، وغيرهم من اللاعبين الذين صنعوا أمجادهم بدايةً من هذه البطولة القارية. فهي تُعتبر المنصة الأولى التي يسطع فيها نجم المواهب الإفريقية قبل انتقالهم إلى الدوريات الأوروبية الكبرى.
في السنوات الأخيرة، حافظت الأندية العربية على هيمنتها الواضحة في المسابقة، خصوصًا أندية شمال إفريقيا، بفضل التنظيم الإداري الجيد والدعم الجماهيري الكبير. فقد أصبحت النهائيات في أغلب الأحيان تجمع بين فرق من مصر وتونس والمغرب والجزائر، مما خلق نوعًا من “الكلاسيكو المغاربي–المصري” الذي ينتظره الملايين في كل موسم. ومع ذلك، ما تزال أندية إفريقيا جنوب الصحراء تحاول استعادة أمجادها السابقة من خلال فرق مثل مازيمبي، صن داونز، وسيمبا التنزاني.
كما أنّ الاتحاد الإفريقي يسعى حاليًا إلى تطوير البطولة أكثر، عبر توسيع قاعدة المشاركة وتحسين البنية التحتية للأندية، مع إطلاق مشاريع مثل دوري السوبر الإفريقي الذي يهدف إلى رفع المستوى الفني والاقتصادي للأندية الكبرى في القارة. ويُتوقع أن يُحدث هذا المشروع ثورة في شكل المنافسة خلال السنوات المقبلة، حيث سيمنح الأندية فرصًا أكبر في تحقيق مداخيل مالية مستدامة ومنافسة منتظمة على أعلى مستوى.
البطولة لا تقتصر على كرة القدم فقط، بل هي أيضًا مناسبة ثقافية ورياضية تجمع شعوب إفريقيا حول شغف واحد، بعيدًا عن الانقسامات السياسية والعرقية. فهي تُمثل وحدة القارة من خلال الرياضة، وتجسد روح الأخوة والمنافسة النزيهة. وعندما يرفع الفريق الفائز كأس البطولة، فهو لا يرفعها باسم نادٍ فقط، بل باسم مدينة، وشعب، وأمة بأكملها تحتفي بإنجازها الكروي.
لقد أصبحت دوري أبطال إفريقيا جزءًا من ذاكرة كل مشجع إفريقي، وكل نسخة منها تُسجل قصصًا جديدة من الدموع والفرح والانتصار. فكم من نادٍ صغير كتب التاريخ بتحديه للكبار، وكم من لحظة صنعتها كرة في الشباك غيرت مجرى بطولة بأكملها. تلك اللحظات هي ما يجعل هذه المسابقة فريدة من نوعها، تُجسّد الجمال الحقيقي لكرة القدم بكل تواضعها وشغفها.
وفي نهاية المطاف، يمكن القول إن دوري أبطال إفريقيا ليس مجرد بطولة، بل هو حكاية القارة بكل تناقضاتها وجمالها. إنها مسيرة مجد متواصلة تُخلّد الأبطال وتُعيد رسم الخريطة الكروية في كل عام، وهي الحلم الذي لا يشيخ مهما تغيّرت الأجيال. فمن يرفع الكأس الذهبية في ختام الموسم، ينضم إلى نخبة من العظماء الذين كتبوا أسماءهم بحروف من ذهب في سجل تاريخ كرة القدم الإفريقية.
0Comments