يُعدّ الملعب التونسي أحد أعرق الأندية الرياضية في تونس، تأسس سنة 1948 في منطقة باردو بالعاصمة التونسية، ليصبح منذ ذلك الحين جزءًا أصيلاً من المشهد الكروي التونسي، وركيزة أساسية في تاريخ كرة القدم الوطنية. نشأ النادي في فترة حساسة من تاريخ البلاد، حين كانت الروح الوطنية تشتعل في قلوب الشباب، فكان تأسيسه أكثر من مجرد مبادرة رياضية، بل رمزًا للهوية والانتماء والاعتزاز بالوطن. حمل الفريق منذ بداياته اللونين الأخضر والأحمر، اللذين صارا مع مرور الزمن شعارًا مميزًا يرمز إلى الأمل والحماسة والنضال.
عرف الملعب التونسي انطلاقة قوية منذ سنواته الأولى، حيث تمكّن من فرض نفسه بين كبار الأندية التونسية رغم الإمكانيات المحدودة. وقد كان له دور بارز في تطوير كرة القدم الوطنية بفضل إدارته الواعية ومدرسته الشهيرة التي أنجبت العديد من النجوم. وفي خمسينيات القرن الماضي، لمع اسم النادي بقوة حين تمكن من إحراز أول ألقابه، وبدأ يبني سمعته كفريق يُجيد اللعب الجميل ويمتلك هوية كروية خاصة تعتمد على الانضباط، المهارة، والروح الجماعية.
يُلقب جمهور الملعب التونسي فريقه بـ “البقلاوة”، وهو لقب أصبح علامة مسجلة في كرة القدم التونسية. ويرتبط هذا اللقب بجهور الفريق في باردو، الذي عُرف بحبه الشديد لناديه وبروح الدعابة والوفاء التي تميّزه. جمهور الملعب التونسي هو أحد أكثر الجماهير وفاءً في تونس، إذ ظل يساند فريقه في السراء والضراء، في الانتصارات كما في الأزمات. ولا يمكن لأي متابع لكرة القدم التونسية أن ينسى صور الجماهير الخضراء والحمراء وهي تملأ مدرجات ملعب باردو، ترفع الأعلام وتغني للأمل والانتصار.
منذ استقلال تونس سنة 1956، كان الملعب التونسي ضمن الأندية المؤسسة للبطولة الوطنية، وتمكن خلال العقود اللاحقة من التتويج بعدة ألقاب محلية مرموقة. فقد فاز النادي بـ أربع بطولات وطنية، وبـ سبعة كؤوس لتونس، وهي حصيلة تضعه بين أكثر الفرق تتويجًا في تاريخ الكرة التونسية. كما عُرف النادي بمشاركاته القارية المشرّفة في كأس الاتحاد الإفريقي، حيث مثّل تونس في أكثر من مناسبة وأظهر صورة مشرفة للكرة الوطنية على المستوى القاري.
تميز الملعب التونسي أيضًا بمدرسته الكروية، التي خرّجت أسماء كبيرة في تاريخ الكرة التونسية، مثل عبد المجيد الشتالي، حمادي العقربي، فوزي الرويسي، لطفي السليمي، وطارق ثابت وغيرهم من النجوم الذين تألقوا في الملاعب التونسية والعربية. كانت هذه المدرسة مثالًا في العمل القاعدي والاهتمام بالفئات الشابة، حيث اعتمد النادي منذ عقود على تكوين اللاعبين بدل شراء النجوم الجاهزين، وهو ما جعله من أكثر الأندية احترامًا في الوسط الرياضي.
مرت على النادي فترات صعبة، خاصة خلال التسعينات وبداية الألفية، حيث عانى من تذبذب النتائج وتراجع في الترتيب، ما أدى إلى نزوله إلى الدرجة الثانية في بعض المواسم. ومع ذلك، أثبت الملعب التونسي دائمًا أنه نادٍ لا يموت، إذ سرعان ما يعود إلى الواجهة بفضل حب جماهيره وإصرار لاعبيه وإدارته. شعار “البقلاوة ما تموتش” أصبح شعارًا غير رسمي للنادي، يُردّده المحبّون في كل مرة يمر فيها الفريق بظروف صعبة.
من الناحية الثقافية والاجتماعية، كان لنادي الملعب التونسي دور مهم في المجتمع التونسي. فقد ساهم في تنمية روح الانتماء في منطقة باردو، وجمع بين أجيال مختلفة من السكان حول حب واحد. أصبح النادي مدرسة في التربية الرياضية، حيث يُعتبر الانضباط والروح الرياضية من القيم الأساسية التي يزرعها في لاعبيه الصغار. كما شارك النادي في عديد المبادرات الاجتماعية، مثل دعم الجمعيات الخيرية وتنظيم حملات تضامنية في فترات الأزمات.
يُعرف الملعب التونسي بعلاقاته المتميزة مع عدة أندية تونسية، لكن أيضًا بمنافساته التقليدية الحامية، خاصة مع أندية العاصمة مثل الترجي الرياضي التونسي والنادي الإفريقي. ورغم أن الملعب التونسي لا يملك نفس الثقل الجماهيري لهذين العملاقين، إلا أنه دائمًا ما يفرض نفسه كخصم محترم ومزعج، قادر على قلب الموازين في أي مباراة، بفضل عزيمة لاعبيه وروحهم القتالية.
أما ملعب الفريق، ملعب الهادي النيفر بباردو، فهو من أقدم الملاعب في تونس، ويعتبر رمزًا من رموز كرة القدم الوطنية. شهد هذا الملعب لحظات مجد لا تُنسى، واحتضن أجيالًا من اللاعبين والجماهير التي لا تزال تعتبره بيتها الأول. ورغم أن النادي لعب في فترات معينة في ملاعب أخرى لأسباب تنظيمية، إلا أن باردو بقيت دائمًا القلب النابض للفريق، والمكان الذي يجد فيه أنصاره الدفء والانتماء.
في السنوات الأخيرة، يسعى الملعب التونسي إلى استعادة بريقه عبر مشاريع تطوير رياضية وإدارية. فقد بدأت الإدارة تعمل على إعادة بناء الفريق على أسس حديثة، وتطوير البنية التحتية، والاستثمار في الأكاديمية الشابة، مع الحفاظ على هوية النادي وأصالته. كما يعمل النادي على توسيع قاعدته الجماهيرية وتطوير استراتيجيته الإعلامية، في ظل المنافسة الشديدة التي تشهدها كرة القدم التونسية الحديثة.
الملعب التونسي ليس مجرد نادٍ كروي، بل هو مؤسسة رياضية وثقافية لها تاريخ طويل ومكانة مميزة في قلوب التونسيين. يمثل قيم النضال، الوفاء، والكرامة الرياضية، ويُعتبر مرجعًا في كيفية الصمود أمام التحديات دون فقدان الهوية. جيل بعد جيل، يظل حب “البقلاوة” متجذرًا في النفوس، يورّثه الآباء للأبناء كقطعة من الذاكرة الوطنية الجميلة.
ومهما تغيّرت الأزمنة وتبدّلت الأجيال، سيبقى الملعب التونسي شامخًا كعادته، متمسكًا بألوانه الخضراء والحمراء، وبجماهيره الوفية التي تؤمن بأن المجد لا يُشترى، بل يُبنى بالصبر والحب والإخلاص.
يُعدّ النادي الرياضي الصفاقسي واحدًا من أعرق وأعظم الأندية في تاريخ كرة القدم التونسية والإفريقية، وهو نادٍ وُلد من رحم التحدي والطموح والإرادة، فصار رمزًا للفخر والانتماء لمدينة صفاقس، العاصمة الاقتصادية لتونس وواحدة من أكثر المدن وطنية وحيوية. تأسس النادي سنة 1928 تحت اسم النادي التونسي، قبل أن يحمل اسمه الحالي بعد الاستقلال سنة 1962، ومنذ ذلك التاريخ صار أحد الأعمدة الراسخة في كرة القدم التونسية، وصار مرجعًا في العمل الرياضي المنظم، واللعب الجميل، والروح القتالية العالية التي تميّزه عن غيره.
يُعرف النادي الرياضي الصفاقسي بلقبه الشهير "عُرُوس الجنوب" أو "الصفاقسي" اختصارًا، بينما يلقبه جمهوره العريض بلقب “نادي الشعب”، في إشارة إلى ارتباطه الوثيق بجماهيره، وانتمائه الطبقي والاجتماعي للناس البسطاء الذين صنعوا تاريخه. هذا الارتباط العميق بين النادي وجمهوره لم يكن مجرد شعار، بل هو علاقة متينة تمتدّ على مدى عقود، حيث يرافق الأنصار فريقهم في كل الظروف، في السراء والضراء، في الانتصار والانكسار، مؤمنين أن الأسود والأبيض ليسا مجرد لونين، بل هما عقيدة حياة.
منذ بداياته، كان النادي الرياضي الصفاقسي صوت الجنوب في الرياضة التونسية، إذ كان أول نادٍ من خارج العاصمة ينافس بقوة على الألقاب الوطنية، ويتحدى هيمنة أندية العاصمة الكبرى كـالترجي الرياضي التونسي والنادي الإفريقي والنادي الأولمبي. وقد كان أول فريق تونسي من خارج العاصمة يتوّج بلقب البطولة الوطنية سنة 1969، وهو إنجاز تاريخي فتح الباب أمام أندية الجهات لتؤمن بإمكانية الوصول إلى القمة.
لم يتوقف مجد النادي عند ذلك الحد، بل تواصل عبر العقود التالية، حيث أصبح أحد الفرق الأكثر تتويجًا في تاريخ الكرة التونسية، بحصيلة كبيرة من الألقاب المحلية والإفريقية. فقد فاز النادي بـ 8 بطولات وطنية، و5 كؤوس لتونس، و4 كؤوس إفريقية للأندية الأبطال، إلى جانب 3 ألقاب في كأس الاتحاد الإفريقي (الكونفدرالية) وكأس السوبر العربي وكأس الكؤوس العربية، وغيرها من الألقاب التي جعلته من أنجح الفرق العربية على الإطلاق.
عرف النادي الرياضي الصفاقسي كيف يبني مجده على أساس متين من العمل القاعدي والتكوين الممتاز. فقد كانت مدرسته الكروية من أنجح المدارس في تونس وإفريقيا، حيث تخرّج منها عدد كبير من النجوم الذين حملوا ألوان المنتخب التونسي، بل ومنهم من سطع نجمه في الدوريات الأوروبية والعربية. ومن أبرز هؤلاء: علي معلول، فراس شواط، أسامة الدراجي، هيكل قمامدية، خالد بدرة، طارق ذياب في فترة قصيرة، عصام جمعة، ومحمد علي منصر وغيرهم من الأسماء التي تركت بصمة خالدة في تاريخ النادي.
لم يكن الصفاقسي يومًا مجرد فريق، بل هو مدرسة في الانضباط والتنظيم والجدية. منذ تأسيسه، حرصت إداراته المتعاقبة على ترسيخ قيم الاحتراف والصرامة في العمل، وهو ما جعله نموذجًا يُحتذى به في الإدارة الرياضية بتونس. يُعتبر النادي أيضًا مثالًا في الاستقرار المالي والتسييري مقارنة بغيره، حيث عرف كيف يُوازن بين التكوين، الاستثمار، والنتائج الميدانية.
من ناحية أخرى، يُعتبر الملعب الطيب المهيري في صفاقس القلب النابض للنادي، وواحدًا من أعرق الملاعب في تونس. شيّد سنة 1938، واحتضن على مرّ العقود آلاف المباريات التي كتبت فيها صفحات المجد الأبيض والأسود. في هذا الملعب عاشت الجماهير لحظات لا تُنسى، من مباريات البطولة، إلى الليالي الإفريقية الساحرة التي صدحت فيها أصوات الجمهور بهتافات "سي.آس.آس" التي ترنّ في ذاكرة كل تونسي عاش حب الكرة.
جماهير النادي الرياضي الصفاقسي، والمعروفة بولائها اللامحدود، تُعتبر من أكثر الجماهير انضباطًا وتنظيمًا في تونس. إنهم جمهور مثقف كرويًا، يعرف معنى الانتماء ويُدرك قيمة العمل الجماعي. من المدرجات إلى الشوارع، يحملون الأعلام السوداء والبيضاء بفخر، ويرفعون الشعارات التي تعبّر عن الكبرياء والانتماء. لا عجب أن صفاقس في يوم مباراة الصفاقسي تتحول إلى مدينة تتنفس كرة القدم، تتزين محالها وأزقتها بالألوان المميزة للنادي، وتعيش الأحياء الشعبية على وقع الأغاني والأهازيج الكروية.
على الصعيد الإفريقي، يُعتبر النادي الرياضي الصفاقسي أحد أقوى وأبرز الأندية في القارة. فقد صنع لنفسه اسمًا لامعًا في المنافسات القارية بفضل نجاحاته المتتالية في التسعينات والألفية الجديدة. ويُذكر على وجه الخصوص تتويجه التاريخي بكأس الاتحاد الإفريقي ثلاث مرات في أعوام 1998، 2007، و2008، عندما قدّم عروضًا رائعة بقيادة جيل من النجوم الذين تركوا بصمة في ذاكرة الجماهير الإفريقية. كان الفريق يُعرف حينها بروحه القتالية العالية، وبأسلوب لعب يعتمد على الصلابة الدفاعية والانضباط التكتيكي والفعالية الهجومية، وهي عناصر جعلته من أكثر الفرق احترامًا في القارة السمراء.
ولا يمكن الحديث عن النادي الرياضي الصفاقسي دون التطرق إلى مشاركته المتميزة في كأس العالم للأندية سنة 2007، بعد فوزه بكأس الكونفدرالية، حيث مثّل تونس والعرب خير تمثيل في تلك البطولة العالمية، مقدّمًا أداءً مشرّفًا أمام كبار الفرق. هذا الظهور في المحفل العالمي كان تتويجًا لمسيرة طويلة من العمل والاجتهاد، وأثبت أن النادي الرياضي الصفاقسي لا يقل شأنًا عن أي نادٍ إفريقي كبير.
من جهة أخرى، يُعدّ النادي مثالًا في الاستمرارية والتجديد، فقد عرف كيف يجمع بين الأصالة والحداثة. رغم مرور السنين وتغير الأجيال، ظل النادي محافظًا على هويته وأسلوبه المميز. لم ينغلق على نفسه، بل انفتح على العالم من خلال التعاقد مع لاعبين ومدربين من مختلف الجنسيات، ما ساهم في تطوير أدائه الفني وإثراء تجربته الكروية.
تاريخ النادي الرياضي الصفاقسي هو أيضًا تاريخ نضال ومقاومة رياضية. فقد واجه التهميش والظلم التحكيمي في بعض الفترات، لكنه لم يتراجع أبدًا، بل زادته الصعوبات إصرارًا على النجاح. شعار "النادي الرياضي الصفاقسي لا يموت" لم يكن مجرد كلمات، بل حقيقة راسخة تجسّدت في مواقف لا تُنسى، عندما كان يعود من أصعب الظروف أقوى مما كان.
كما يُعتبر النادي من الأندية التي ساهمت في إشعاع الرياضة التونسية في الخارج، ليس فقط عبر اللاعبين، بل أيضًا من خلال إدارته التي شاركت في تطوير كرة القدم في إفريقيا. كما أقام النادي علاقات أخوة وتعاون مع أندية عربية وأوروبية، ما ساهم في رفع اسمه على المستوى الدولي.
إلى جانب كرة القدم، يضم النادي الرياضي الصفاقسي عدة فروع رياضية أخرى، مثل كرة السلة، الكرة الطائرة، ألعاب القوى، وكرة اليد، وهو ما يؤكد مكانته كنادٍ شامل ومتكامل يُعنى بتطوير الرياضة بمختلف أشكالها.
اليوم، وبعد أكثر من تسعين عامًا على تأسيسه، لا يزال النادي الرياضي الصفاقسي يُجسد معنى الاستمرارية والتجذر، محافظًا على قيمه الأصيلة، وماضٍ في طريق المجد بثبات رغم كل الصعوبات. فجيلًا بعد جيل، يواصل "أبناء النادي" كتابة التاريخ بلغة الانتصار والوفاء، مؤكدين أن الأسود والأبيض ليسا مجرد ألوان، بل رمزٌ للكرامة، الكبرياء، والعشق الأبدي.
إنّ قصة النادي الرياضي الصفاقسي ليست قصة كرة فقط، بل قصة مدينة بأكملها، مدينة عُرفت بالعمل والاجتهاد والاعتزاز بالذات. كما أن حبّ الصفاقسي لا يقتصر على أهل المدينة وحدهم، بل يمتدّ إلى كل أنحاء تونس والعالم، حيث يوجد الآلاف من المغتربين الذين يتابعون مباريات فريقهم بشغف وكأنهم في مدرجات الطيب المهيري.
سيبقى النادي الرياضي الصفاقسي صرحًا شامخًا في سماء الكرة التونسية والإفريقية، مدرسة في الانضباط، مثالًا في العطاء، ورمزًا في الإخلاص. مهما تغيّرت الأسماء والظروف، فإنّ الأسود والأبيض سيبقيان رمزًا خالدًا للفخر والانتماء.
0Comments