Labels

Show more

مباراة النجم الساحلي و الترجي الجرجيسي

 

البث المباشر في أسفل الصفحة

تقديم النجم الرياضي الساحلي :

النجم الرياضي الساحلي هو أحد أعرق وأبرز الأندية في تاريخ كرة القدم التونسية والعربية والإفريقية، تأسس يوم 11 مايو 1925 بمدينة سوسة، الساحرة بموقعها على الساحل الشرقي لتونس والمتميزة بروحها الرياضية والثقافية. جاء تأسيس النجم الرياضي الساحلي على يد مجموعة من الشباب التونسيين الوطنيين الذين أرادوا مواجهة هيمنة الفرق الاستعمارية الفرنسية آنذاك، فكان النادي رمزًا للمقاومة والهوية الوطنية منذ بدايته الأولى، واتخذ اللونين الأحمر والأبيض شعارًا له، وهما رمزا الحماس والنقاء. منذ نشأته، لم يكن النجم مجرد نادٍ رياضي، بل كان مدرسة في الوطنية والانتماء، ومنارة للرياضة والثقافة في الساحل التونسي.

تميّز النجم الرياضي الساحلي بتطوره السريع، إذ سرعان ما أصبح من الأندية الكبرى في تونس، ينافس بقوة في مختلف المسابقات المحلية. وفي منتصف القرن العشرين، بدأ النادي يحقق إنجازات مميزة في كرة القدم، ليصبح منافسًا شرسًا للأندية الكبرى مثل الترجي الرياضي التونسي، النادي الإفريقي، والنادي الصفاقسي. ويُعد ملعب سوسة الأولمبي معقل النجم ومسرحًا لأجمل لحظاته، حيث عاش فيه عشاق “ليتوال” لحظات الفرح والانتصارات التاريخية التي رسخت اسم النادي في ذاكرة الكرة التونسية.

لم يقتصر نشاط النجم على كرة القدم فقط، بل برع أيضًا في عدة رياضات أخرى مثل الكرة الطائرة، كرة اليد، ألعاب القوى، والملاكمة، وحقق فيها نتائج باهرة على المستويين المحلي والإفريقي. ولكن تبقى كرة القدم الواجهة الأبرز للنادي، إذ استطاع النجم الساحلي أن يحصد ألقابًا محلية وإفريقية جعلته ضمن النخبة القارية. فقد فاز بعدة بطولات تونسية وكؤوس، ورفع راية البلاد عاليًا في المحافل الدولية. ويُعد النادي أول فريق تونسي يفوز بجميع المسابقات الإفريقية الممكنة، من رابطة الأبطال الإفريقية، كأس الكونفدرالية، كأس الكؤوس الإفريقية، وكأس السوبر الإفريقي، وهو إنجاز فريد لم يحققه أي نادٍ تونسي آخر.

من أبرز محطات النادي التاريخية تتويجه بلقب دوري أبطال إفريقيا سنة 2007 على حساب الأهلي المصري، في مباراة لا تُنسى بالقاهرة، بعدما كان قد خسر اللقب أمام نفس المنافس في 2005. هذا التتويج رسّخ مكانة النجم كقوة كروية في القارة، وأثبت قدرته على التحدي والصمود أمام الكبار. كما شارك النادي في كأس العالم للأندية سنة 2007 باليابان، وحقق نتائج مشرفة جعلت اسمه يتردد عالميًا. لم يكن ذلك النجاح وليد الصدفة، بل ثمرة عمل طويل ومنظومة احترافية أسسها رجال أوفياء للنادي، أمثال حامد القروي، عثمان جنيح، رضا شرف الدين، وغيرهم من الرموز الذين تركوا بصمتهم في تاريخ “ليتوال”.

أنجبت مدرسة النجم الساحلي العديد من اللاعبين الكبار الذين رفعوا راية تونس في المحافل الدولية، مثل زياد الجزيري، عادل الشادلي، سيف غزال، أمين الشرميطي، ياسين الشيخاوي، محمد أمين بن عمر، والعديد من النجوم الآخرين الذين برزوا محليًا وأوروبيًا. كما ساهم النادي بشكل فعّال في رفد المنتخب الوطني التونسي بعناصر متميزة ساعدته على تحقيق إنجازات تاريخية، أبرزها الفوز بكأس الأمم الإفريقية سنة 2004.

يُعرف جمهور النجم الساحلي بولائه الكبير وشغفه الفريد، فهو جمهور مثقف، عاشق، وصوت لا يهدأ في المدرجات. يشتهر مشجعو النجم بعروضهم الفلكلورية الرائعة وتشجيعهم الناري، الذي يمنح الفريق طاقة إضافية داخل الملعب. وتبقى رابطة أحباء النجم رمزًا للوفاء والانتماء، إذ تساند النادي في السراء والضراء، داخل تونس وخارجها.

على المستوى الإداري، لطالما كان النجم نموذجًا في التنظيم والانضباط، حيث سعى دائمًا إلى بناء هيكل احترافي يوازن بين التسيير الرياضي والمالي. ورغم الصعوبات الاقتصادية والسياسية التي واجهته في بعض الفترات، إلا أن روح التحدي والصلابة التي تميز أبناء سوسة مكّنته من تجاوز الأزمات والعودة إلى القمة في كل مرة. كما لعب النادي دورًا اجتماعيًا مهمًا في مدينة سوسة، من خلال دعم الأنشطة الشبابية والثقافية والمساهمة في المشاريع التنموية.

إن النجم الرياضي الساحلي ليس مجرد نادٍ، بل هو مؤسسة عريقة تمثل فخر جهة الساحل وكل تونس. فهو يجسد روح الإصرار، العمل الجماعي، والتحدي الدائم من أجل رفع الراية التونسية عاليًا. يبقى “ليتوال دو ساھل” مدرسة في حب الوطن والانتصار رغم الصعاب، ورمزًا خالدًا في الذاكرة الرياضية الوطنية. كل من يرتدي قميصه الأحمر والأبيض يشعر بالمسؤولية التاريخية التي يحملها، لأن النجم ليس فريقًا عاديًا، بل هو حكاية مجد متواصل، وأسطورة لن تنطفئ جذوتها مهما مر الزمن.

تقديم الترجي الرياضي الجرجيسي :

الترجي الرياضي الجرجيسي هو أحد أبرز الأندية الرياضية في الجنوب التونسي، ويمثل رمزًا من رموز مدينة جرجيس العريقة الواقعة في أقصى الجنوب الشرقي من البلاد. تأسس النادي سنة 1931، ليكون من أوائل الفرق الرياضية التي نشأت في تلك المنطقة خلال فترة الاستعمار الفرنسي، وقد جاء تأسيسه كتعبير عن روح المقاومة والرغبة في تأكيد الهوية التونسية من خلال الرياضة. اختار الترجي الجرجيسي اللونين الأصفر والأحمر شعارًا له، تيمّنًا بالترجي الرياضي التونسي، ولكن مع هوية محلية قوية تجسد ثقافة الجنوب وكرم أهله وارتباطهم العميق بالبحر وبالأرض. منذ نشأته، لعب النادي دورًا اجتماعيًا وثقافيًا مهمًا في جرجيس، فكان أكثر من مجرد فريق كرة قدم، بل مؤسسة تجمع الشباب وتغرس فيهم روح الانتماء والعزيمة.

بدأ الترجي الرياضي الجرجيسي مسيرته في الأقسام الدنيا من الكرة التونسية، لكنه سرعان ما أثبت مكانته بفضل عمل إداري منظم وجهود لاعبين متحمسين لم يترددوا في التضحية من أجل ألوان النادي. خلال العقود الأولى، كانت الملاعب الرملية والبنية التحتية المحدودة تشكل تحديًا كبيرًا أمام الفريق، إلا أن عزيمة أبنائه كانت أقوى من كل العقبات. ومع مرور السنين، أصبح النادي مدرسة حقيقية لتكوين اللاعبين في الجنوب، حيث تخرج منه العديد من المواهب التي تألقت في البطولات الوطنية والتحقت بأندية كبرى في تونس.

عرف الترجي الجرجيسي أوج تألقه في التسعينات، حين تمكن من الصعود إلى الرابطة المحترفة الأولى في موسم 1991-1992، وهو إنجاز تاريخي أفرح جماهير الجنوب بأسره. ومنذ ذلك الوقت، أصبح الفريق أحد أبرز ممثلي الجنوب التونسي في كرة القدم الوطنية، ينافس بشرف ويفرض احترامه على جميع الخصوم، رغم الإمكانيات المادية المحدودة مقارنةً بفرق العاصمة والشمال. وفي تلك الفترة، كان ملعب جرجيس الصغير يحتضن جماهير غفيرة تهتف بحماس، وتخلق أجواء استثنائية تعكس مدى حب المدينة لفريقها.

من أبرز إنجازات الترجي الرياضي الجرجيسي تتويجه بكأس تونس سنة 2005، في حدث تاريخي لا يُنسى، بعد أن فاز في المباراة النهائية على المستقبل الرياضي بالمرسى بنتيجة 2-0. وقد كان ذلك التتويج لحظة فخر واعتزاز لكل أبناء جرجيس، حيث دخل النادي سجل الأندية المتوجة بالبطولات الوطنية الكبرى، وأثبت أن العمل الجاد والانتماء يمكن أن يصنعا المجد حتى بإمكانيات متواضعة. ذلك الإنجاز فتح صفحة جديدة في تاريخ النادي، الذي أصبح يُنظر إليه كقوة صاعدة قادرة على مقارعة الكبار.

خلال مسيرته في بطولة الرابطة المحترفة الأولى، قدم الترجي الجرجيسي عروضًا محترمة، وتمكن من خلق المفاجآت أمام أندية كبرى مثل الترجي التونسي، النادي الإفريقي، النجم الساحلي، والنادي الصفاقسي. ورغم فترات الصعود والنزول بين الأقسام، بقي الفريق محافظًا على مكانته كرمز من رموز الجنوب، يتميز بروح قتالية عالية وولاء لا محدود من جماهيره. تلك الجماهير تُعد من أكثر الجماهير وفاءً في تونس، إذ ترافق الفريق في كل مكان وتدعمه في كل الظروف، وتُعرف بأهازيجها المميزة التي تمزج بين الفخر والانتماء.

لم يكن الترجي الجرجيسي مجرد نادٍ كروي، بل مؤسسة رياضية متعددة الفروع، ساهمت في تطوير رياضات أخرى في الجهة مثل الكرة الطائرة وألعاب القوى. كما لعب النادي دورًا اجتماعيًا مهمًا في إدماج الشباب في الحياة الرياضية، وإبعادهم عن الانحراف، من خلال الأكاديمية الرياضية التي أنشأها لتكوين المواهب منذ الصغر. هذه الأكاديمية أصبحت رافدًا حقيقيًا للفريق الأول، ومصدرًا للاعبين مميزين يتمتعون بالمهارة والالتزام.

من جهة أخرى، ساهم النادي في إشعاع مدينة جرجيس على المستوى الوطني، حيث أصبحت المدينة تُعرف بفضل فريقها الذي رفع اسمها عاليًا في مختلف المحافل. وقد ساهمت عدة شخصيات بارزة في دعم النادي على مر السنين، سواء من الإداريين أو رجال الأعمال أو حتى من أبناء الجالية الجرجيسية المقيمة بالخارج، الذين لم يبخلوا بمساندة فريقهم المفضل ماديًا ومعنويًا.

وعلى الرغم من التحديات الاقتصادية التي واجهها الترجي الجرجيسي، خاصة في فترات الركود الكروي في تونس، إلا أن روح الصمود بقيت هي السمة المميزة للنادي. فكلما تعثر، نهض من جديد، معتمدًا على جماهيره الوفية ولاعبيه الذين لا يعرفون الاستسلام. ويُعتبر ملعب جرجيس من بين أكثر الملاعب التي تعكس الأجواء الحماسية في الجنوب، حيث تتحول المدرجات إلى لوحات من الأعلام والألوان والشعارات التي تُلهم اللاعبين.

يُعرف الترجي الجرجيسي أيضًا بانضباطه وأخلاقه داخل الميدان، إذ يُنظر إليه كنادٍ يحترم خصومه ويُشجع على اللعب النظيف. كما كان له دور مهم في تطوير كرة القدم في الجنوب الشرقي، من خلال تشجيع المنافسة الشريفة بين الأندية المجاورة مثل أولمبيك مدنين، مما خلق حركية رياضية واجتماعية كبيرة في المنطقة.

اليوم، يواصل الترجي الرياضي الجرجيسي مسيرته بروح التحدي والإصرار، محاولًا استعادة مكانه بين الكبار، رغم صعوبة الظروف المالية وضعف الدعم الرسمي. ومع ذلك، يظل النادي مثالًا في الصبر والعزيمة، ومرآة تعكس طموح الجنوب التونسي في الارتقاء والتميز. إن قصة الترجي الجرجيسي هي قصة نادٍ صنع المجد بجهوده الخاصة، وكتب فصوله بإصرار أبنائه الذين لم يعرفوا اليأس. فهو ليس مجرد فريق كرة قدم، بل كيان اجتماعي وثقافي ورياضي، يجسد قيم الكفاح والانتماء والكرامة، وسيبقى دائمًا رمزًا من رموز الرياضة التونسية الأصيلة التي تنبع من عمق الجنوب وفخره الدائم.




0Comments